حبر أعظم في جهنَّم!
وحده دانتي- وما كان حبراً أعظم- قصد طوعاً جهنَّمَ، فوجد فيها بعضاً من أصدقائه الى بعض احبارٍ وأساقفةٍ وسياسييِّن. وأكثر، نظر فيها الشيطان جالساً على جبلٍ من جليدٍ، حيث لا شعلة دفء تفيض انوار حب، فإرتعد.
بعد سبعة قرونٍ، سيقصد البابا فرنسيس جهنَّماً، على خطى دانتي. لكنَّه لن يخرج منها، مثله،- إن استطاع- برائعةٍ شعريَّة تعبُر بالفكر البشريِّ من ضفَّةٍ الى ضفَّةٍ.
مرعوباً سيكون إذ سيلقى لا شيطاناً بل كوكبةً ظلاميّة من انصاف آلهةٍ، مخزونُ الرياء والمكر والإستعلاء فيها يفيض لآلاف الزاحفين من أجل موقع، على حساب كرامةٍ وحقٍّ وتاريخٍ.
سيجد صنوفاً من مراوغين ما شهدها العالم: هذا مجرمٌ طوَّب نفسه قدِّيساً، وذاك صبيانيٌّ ديماغوجيٌّ بات شيخاً وبيكاً، وذلك خزعبليٌّ ممسوكٌ من أكبر وقد أسلمه كليّته حتى ورقة التين الساترة عورته…لقاء كرسي.
وسيصافح احباراً يرفلون بالبورفير والتيجان المذهبّة يتلون آيات التعظيمِ لأنفسهم ويغالون في تبخير ذواتهم، وقد انعموا في تحويل مواقع هدايتهم شركات تأليهِ مال ومصارفَ تأبيدِ ربى…
وسيصغي الى حويكمييِّن يسمعونه انَّ الهُنا بخير بعدما دكُّوا حصون الفساد وصانوا مستقبل العباد، وخطُّوا خطط التعافي لشعبٍ أسروه ونهبوه ثمَّ ساقوه للذبح فلم يفتح فاهُ، وأنَّ احترامهم للآخر المختلف يفوق ما لأنفسهم، وليسوا هم من صلبوه عارياً وعلى لباسه اقترعوا، وأنَّهم اسياد الحوار لا سيّاف إقصاء ولو استرشدوا بالسلاح. أوليس الهُنا “رسالة”؟
امّا اولئك، في الوطن الذي وقفه الله لنفسه وحوَّله هؤلاء الى الجهنم: المسحوقون في حقوقهم، المرذولون وهم أحجار الزاوية، المستعطون خبزاً او دواءً او معرفةً مدرسيَّةً او جامعيَّةً، المُهانون في حقيقتهم، المهمَّشون في نخبويتهم، المزروعون في ارضهم وقد رفدوها بدمائهم وعرقهم وتضحياتهم لقرون، اولئك، سيقصونهم هؤلاء عن لقائه.
حبَّذا لو يلتقيهم… علَّه بذلك يتخطّى رعدة دانتي، ويقوم في يومٍ ثالثٍ.