زمن التوحُّش!
“الحرب دائماً هزيمةٌ للإنسانيَّة”، قالها البابا يوحنا-بولس الثاني، هو الذي خَبِر آلام أكثر ديكتاتوريِّتين تَوَحشَّاً حكمتا العالم: النازيَّة، وهي إلغاءٌ للإنسان والله، والشيوعيَّة وهي إلغاءٌ لله والإنسان.
اليوم، يستعيد العالم زمن التوحُّش عينه، بطبعة منقَّحة، لديكتاتوريِّتين معاً: الإفلاسيَّة الغربيَّة وهي إلغاءُ القِيَم الوجوديَّة للإنسان والله بتسطيح الإنسان لِحَذف الله، والعدوانيَّة الشرقيَّة وهي إلغاء القِيَم الجوهريَّة لله والإنسان بمصادرة الله لإستعباد الانسان. والاثنتان تبنيان إمبرياليَّتين: الأولى تخبىء تخاذلها بعقوباتٍ إفتراضيَّة وفوتبوليَّة، ذارِفةً دموع التضامن الفارغ على ضحايا لاذوا بها فإذا بهم يقعون على أبوابها، والثانية تجاهر بالشموليَّة، ذارفةً دموع الغبطة لتمادي إجرامها وفتك إستبدادها.
وما غزو اوكرانيا، راهناً، إلَّا معركةُ تكريسِ هذا التصارع بين شرقٍ وغربٍ، كلاهما محورٌ لا جغرافيا.
وعلى إمتدادِ خط التماسِ الملتهب بين هذين المحورين، تقع اوكرانيا و… لبنان. التراجيديا عينها تلاحقهما منذ فجر تكوين كيانيهما: اوكرانيا، كما لبنان، مُحاطةٌ بهمجيَّة الجار الأقوى، الذي ما تعب من إتِّهامها بأنَّها صنيعة الخطأ الجغرافي، فَرَاحَ يقضمها تارةً ويلتهمها طوراً، يُفنيها بالمجاعة ويُفرِغها من سكَّانها مُستَبدِلاً إيَّاهم بما يفوقهم مِن عنده.
هذا ليس نتيجة لخطأ الجغرافيا، بل أكثر للامبالاةٍ يُغدقها الكبار صمتاً مُبَرِّراً، بِدَمِ الضحيَّة، فِعلَةَ الجلَّاد.
وهو أمر حذَّر منه ايضاً يوحنا-بولس الثاني، إبن الأمَّةِ التي وقعت لِمَرَّاتٍ خَمس ضحيَّة تلك الخطيئة، في الذكرى الخمسين لإندلاع الحرب العالميَّة الثانيَّة، حين صرخ للعالم: “مِن المُلِّحِ اليوم ألَّا تتكرَّر أوضاعٌ مًشابهة لبولونيا العام 1939، التي غزاها وقطَّعها إرَباً، غُزاة مِن دون رادعٍ… وفي هذا الإطار اليوم، لَمِنَ الواجب إثارة وضع لبنان، حيث تتزاحم قوى مشتركة، مُتبِّعةً مصالحها الخاصَّة، وغير متوانية بذلك حتى عن تهديد أمَّةٍ في وجودها.”
اليوم اوكرانيا، وغداً ضحية أخرى، ودوماً… لبنان، طالما النأي عن جثَّة الضحيَّة إعترافٌ بِحقِّ القاتِل في تعميم الإبادة.
غدي م. نصر