صراع الحضارات!
لم تعد المسألة: هل ستتغيَّر هويِّة لبنان؟ بل: كيف سينتهي هذا التغييِّر؟ أبِحَربٍ كبرى أم تسوية شاملة؟
لقد أُنجِزَت مقوِّمات هذا التغيير، بدورةِ جنونٍ مطبق توَّلاها توَّحد الحزب الإلهوي مع قائمقام الكرسي. ولم تكن هذه المقوِّمات لِتَنجَح لولا: ضعف المناهضين لها وأولُّهم مَن كان في أساس قيام لبنان، كياناً، وتلَّهيهم عن الجوهر بالتنَّعم بالخيرات الدنيويَّة، إضافة الى تلَّهي- او إلهاء- ما يسمَّى بالمجتمع الدولي عن الحفاظ على مشروعيَّة الشرعيَّة الدوليَّة في حماية الأضغف.
في حمأة دورة الجنون الأولى صيف 1989، والتي تولَّاها مَن يُنفِّذ مِطواعاً طبعتها المنقَّحة راهناً، حذّر البابا القديس يوحنا- بولس الثاني، من “أنَّ زوال لبنان سيكون أكبر تبكيت للبشريَّة، ومهمَّة الحفاظ عليه مسؤوليَّة دوليَّة.”
بعد 33 سنة، زال لبنان، وقام مكانه معسكرٌ “لتصنيع صواريخ دقيقة وطائرات مسيَّرة”، على ما أعلن المرشد الأعلى لبقايا الجمهوريَّة، فيما ولاية فقيهه تكاد تتوصَّل الى خواتيمَ إتفاقٍ نووي مع العالم، والعالم العربي تناسى فلسطين وبات يستضيف ممثلِّي الدولة العدوَّة، ويكاد يطالب بإنضمامها الى جامعة الدول العربيَّة، بِصِفةِ مُراقِبٍ دائمٍ، بِحُكم الجوار الجيوسياسيِّ.
وعلى أنقاضِ الكيان اللبناني، يقف شريك الحزب الألهوي مفجِّراً كلَّ ما تبقَّى: بالإنقضاض على هُوَيبَةِ القضاء عبر فودفيل إقتحاماتٍ وادِّعاءاتٍ وإسهال بياناتٍ، وإستيضاع أجهزةٍ أمنيَّة بِشِبه تواجهات، وصولا الى التبَرُّع بالخط 29، فالصمت عن إتهام الفيض الإلهوي بتأمرك الجيش، أخر حصون الكيان.
والأخرون كومبارس: إمَّا غلمانٌ أبناء غلمانٍ، متهافتون على القابٍ بإستساغة مبارزات وهميَّة مقبوضة سلفاً، أو رُعاعُ نفاقٍ حاصدو نهب.
إنَّه صراعُ الحضارات الذي لم يعد اوتوبيا لمفكِّرٌ تسَوَّل جديداً في عِلم سياسة-الإجتماع، بل واقعاً مفروضاً في داخل لبنان بين منطق الحضارة ولامنطق اللاحضارة، وقد أصابَه مقتلاً، محوِّلاً إيَّاه شظايا… ستُصيب رُكاماتٍ مِن شرق وإنهيارات متقابلة من غرب، بدأت تُطاولها من داخلها عدوى تغييِّر هويَّاتها.
غدي م. نصر