لبننة أسلوب بن سلمان.. لإصلاح لبنان
وصلت الازمة الاقتصادية في لبنان حدّ اللجوء الى سياسة تكبيد الشعب أوزان لم يعد قادراً على تحمّلها. كل هذا لأننا لم نسائل ولم نحاسب المسؤولين، وتركنا لصوص الهيكل يسرحون ويمرحون وينحروننا على مذبح الفساد والزبائنية ونهب المال العام. اما اليوم، ورغم اعترافنا بخطأ تلكؤ شعبنا وتبعيته العمياء لمجرمين سيّروه بتخويفه واثارة غرائزه، لا نزال نعتبره صالحا ولو كان ساذجاً وزحفطونياً. من هنا اعتراضنا على تحميله مسؤولية افلاس الدولة، ومن المفترض ان يُحاكم المسؤول الذي خطف الوطن وليس المواطن الرهينة.
القول إن الأزمة ستُحل في سنتين او ثلاث كذبة كبيرة. الشرط الوحيد لحل سريع يكمن في الاسترجاع القسري للمليارات التي سلبها المسؤولون، لكن كيف؟ لا نؤيّد أسلوب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لجهة احتجازه مسؤولين وامراء، بغية إجبارهم على دفع مبالغ اعتبرها مسروقة من خزينة الدولة، لان النهج اعتباطي وتسلطي. لكن في الوقت نفسه نتمنى لو كان للعهد الجرأة الكافية للبننة أسلوب بن سلمان بإطلاق يد القضاء اللبناني والسماح له بمحاسبة المسؤولين الفاسدين واجبارهم على دفع ولو قسم مما سرقوه…
لو فعل يحقّق هدفين: الأول حلحلة الأزمة المالية الحالية، والثاني وضع حجر الأساس لدولة القانون والمؤسسات التي لطالما حلمنا بها!
تقشف في موازنة.. الشعب!
في وقت تحاول الحكومة ابتداع “موازنة أفضل الممكن”، عبّر سعد الحريري عن خشيته من ان يقع لبنان في أزمة اشبه باليونان مبشراً ” بإجراءات ليست موجعة كثيراً، ولكن قاسية قليلاً، نتحمّلها لسنة او سنتين ثم تعود الامور الى ما كانت عليه”.
كان بودنا ان نكذّب اقوال الحريري، لكنه على حق. الوضع الاقتصادي في لبنان لم يعد يحتمل المراوغة وتزوير الحقائق وطمر رؤوسنا في الرمال كالنعامة. اننا امام استحقاقات خطيرة ستؤدي الى انهيار شامل، إذا لم يتم اتخاذ إجراءات جريئة ومؤلمة. لن ندخل من جديد في تفاصيل الأسباب التي أدّت الى هذا الوضع الخطير، لكنها ليست منوطة حصرياً بالنزيف السوري، بل هي نتيجة أخطاء جسيمة لأسياد الجمهورية الثانية الذين نهبوا البلاد بدلاً من ادارتها، واستدانوا فوق طاقاتنا بدل ان يطوّروا انتاجيتنا ويحصّنوا اقتصادنا، وخنقوا الدولة بتوظيف عشوائي بُني على المحسوبية. وقد يكون الخطأ الأكبر الذي أسقط القناع هو سلسلة الرتب والرواتب، التي أتت في سياق سياسة الزبائنية ليس الا. كل هذا يقتضي اليوم ايجاد طرق لتخفيض الانفاق او سبل تمويل إضافية لتغطية النفقات وخدمة الدين العام المتراكمة بسبب هروب رسمي الى الامام طال امده.
اما الإجراءات الملحّة للجم الانهيار فتقتصر على خمسة: الاستدانة من جديد، أي تحميل البلاد المزيد من الأعباء. لكن لا أحد يديّن مفلساً، من هنا الاتكال على أموال “سيدر” التي تشترط الإصلاح مسبقاً، ما أدى الى مسرحية التقشف التي نشهد.. الحل الثاني يكمن في زيادة الضرائب المباشرة وغير المباشرة، لكنها غير كافية في ظل اقتصاد ينازع.. اما الخصخصة فحدّث ولا حَرَج، سيسرقون الأموال والمؤسسات على حد سواء… يبقى أحد اثنين: تخفيض الرواتب او تقليص قيمة الليرة.. ما يؤدي الى إفقار الشعب اللبناني وتحميله المسؤولية كاملة عن افلاس البلاد. وهنا الامر طبيعي، أوليس الشعب أولاً وأخيراً هو المسؤول عن وجود هؤلاء في سدّة الحكم؟
جوزف مكرزل