أربعون ثانية من الحياة.. والموت!
اعتدنا في لبنان على هزّات على مدار الساعة توتّر اللبنانيين، ما حوّل البلاد إلى عصفورية كبيرة. اعتدنا على هزّات عصبية عند سماعنا خطابات سياسيين يعتبرون أننا مغفلون.. وقد يكونون على حق. اعتدنا على هزات دولار بات الشغل الشاغل للمواطن العادي الذي لا شأن له به لولا تأثيره على خبزه اليومي. ايضا وايضا اعتدنا على هزات كهربائية ومائية تشغلنا بعبارات لا معنى لها : “راحت الكهربا.. انتبهوا ع الموتور” او “على مهلكن ما إجت الميّ”.. وغيرها من الهزّات التي تضيع وقتنا وعقلنا سدى.
إلى أن أتت الهزّة الأرضية!
زلزال ضرب المنطقة وحوّل كل مشاكلنا الى تفاهات لا قيمة لها، لأنه ذكّرنا بحقيقة وجودية وهي: الحياة لحظة، كما الموت.
أربعون ثانية من الرعب افاقتنا من نومنا لكنها لم تنشلنا من غيبوبتنا المزمنة التي اعمت عيوننا وقلوبنا وحوّلتنا إلى دمى بين أيدي حكام ماكرين. أربعون ثانية من المفترض أن تلقننا درسا عما هو ضروري لحياتنا اليومية وما هو اساسي لحياتنا بالمطلق، بمعنى : ماذا أنجزنا في مشوارنا القصير على هذه الأرض غير تلبية متطلباتنا ورغباتنا الشخصية من مأكل ومشرب وغيرها من الحاجات “الحيوانية”؟ كيف خدمنا الانسان والانسانية ؟ ماذا سنترك وراءنا؟ هل ستخلّد قصورنا؟ هل ستنقذنا ممتلكاتنا من الهلاك وهل سنأخذها معنا في الممات؟
حدّث ولا حرج، إن اللبناني في مكان آخر يبحث عن شيء آخر… وليته يعلم عما يبحث!
شعب يكتفي بالأوهام!
صحيح أن الحاجيات اليومية ضرورة لا مفر منها، لكن من المفترض أن يهزّ الزلزال ضمائرنا ويعيد الى اذهاننا سلسلة “مسارنا الأرضي ” كما يحصل في الثواني الاخيرة من الحياة. لكننا لم نفعل. لكننا لم نفهم. وعدنا في اليوم التالي الى مسارنا وهزّاتنا السوريالية وكأن شيئا لم يكن. ودسنا على عشرات الآلاف من الأرواح التي اختفت فجأة، دون أن نُبقي حتى أثرا لها في وجداننا الجماعي.
حاول خبراؤنا تنبيهنا، وغيرهم من حاول تطميننا، لكن الحقيقة هي هي : أربعون ثانية من الحياة والموت قد تتكرر بلحظة، واللبناني منشغل بملء فراغ تسببت به تبعيته العمياء لأديان قاتلة، بأوهام مادية زائلة !
جوزف مكرزل