أيها الوطن.. أيها الصامت الأكبر..
أعلم أنك غاضب منّا وعاتب علينا، فنحن منذ سنين عديدة، نتعلّم الرّسم في جسدك الجميل دون موهبة، ونتطاول على براعمك الملوّنة دون تهذيب ونبصق في مياهك كلاماً نخاله بطولة ودهاء وحكمة، ونحقن شرايينك النقيّة سمّا وسخفاً وتفاهة، واستبحنا لأنفسنا حق الدفاع عن الذين نحروك بحرابهم، وعذّبوك بمكائدهم وحاولوا قطع أوصالك وأنت صامت لا تتكلّم.
ما يحيّرني فيك انك رغم كل الآلام التي أنزلناها بك، والجراح التي زيّنا بها ضلوعك، والتشويه الذي احدثته مستحضرات التجميل التي مارسناها في وجهك، ما زلت تعطينا وترفض معاقبتنا.
ربما لأنك اخترت طريق العظماء للتعبير عن مشاعرك وللتبشير بتعاليمك، ولجأت الى السحر في تجديد جمالك، فلم نتمكّن من فهمك وإدراكك..
أيّها الوطن إننا نعود اليك مع طيور النورس وأشرعة المستكشفين لحمايتك من الغرق.
سوف تكون الحب الاول والنفس الاخير.
وسنحاول من جديد ان نلامس ونلاطف شعرك الاسود، وسنعلّم أطفالنا ان الولادة هي المحبة، وان المحبة هي انت.
فقط تدلّلنا عليك كثيراً، وقسونا عليك كثيراً، وها قد دنا وقتك أيّها الصامت الأكبر…
جهاد قلعجي