الأنبوب الأكبر!
في دول العالم، المتخلِّفة ديموقراطيَّاً، يترشَّح من يبغي منصباً أوَّل على أساس برنامجٍ يتقدَّم به، يناقشه ويدافع عنه… وعلى هديه إمَّا يتمُّ إنتخابه أو إقصاؤه لمصلحة منافسه.
أمَّا في لبنان، المتقدِّم ديموقراطيَّاً، فلا برنامجٌ ولا عرضٌ ولا مناقشةٌ. بلى! المدافعة، أساس. والمدافع ليس المرشَّح بل من، بفائض سلطته، يرفعه الى هذه الرتبة… ويعطِّل كلِّ شيءٍ لإيصاله.
يبقى أنَّ على المرشَّح أن يكون إنبوبيَّاً، أيّ متمتِّعاً بالأنبوب الأكبر، لأنَّ التربُّع على كرسيٍّ يستدعي إظهار خصائص الأنبوب ومزاياه، من دون مزايدات.
أمَّا مواصفات الأنبوب الأكبر، فليست بكثيرة: أن يصنِّف نفسه فوق الشبهات؟ لا لزوم، فمن يرفعه الى مرتبة “المرشَّح الطبيعي”، المُنزَل من علياء، يتكفَّل بإضفاء العُلى الإلهويَّ عليه. أن ينطلق من سموِّه الإلهوي هذا لإعادة إحياء المنظومة المافيويَّة؟ لا حاجة، فعناصر توالدها منها وفيها. أن يُبقي لبنان في بؤرة عزلته الداخليَّة والخارجيَّة؟ لا أبداً، فالحوار، مع الذات، كفيل بإضفاء رونق إنبوبيَّته الناعمة على النكد الرافض لمنطق الديموقراطيَّة.
شغوراً وإمتلاءً، الانبوبيَّة الأصيلة إذاً لا التجريبيَّة وحدها كفيلة بتأصيل المؤصَّل. كلُّ الباقي تفاصيل، وحذار حذار إضاعة الفرصة الذهبيَّة بإنتظار إملاءات الخارج، فالخارج الغارق في التبدُّلات الجيوبوليتيكيَّة والجيوسياسيَّة من اوكرانيا الى اوروبا، ومن الولايات المتحدَّة الى الصين، ومن روسيا الى تركيا وسوريا والجوار… لن يتلهَّى في الدخول في مزايدات تسووية ومبارزات إسميَّة. أرايتم؟ حتى الخارج لا يبحث إلَّا عن صاحب الأنبوب الأكبر. به سيبصم على كلِّ شيءٍ، فلا يقارع ولا يجادل: هناؤه منه وفيه.
هلُّموا إذاً لإلتقاط فرصة تلقين العالم بأسره درساً في الديموقراطيَّة الحقَّة: إنتخبوا صاحب الأنبوب الأكبر، فـ”الزمن ليس براحمٍ للأمور التي لا تُنجَز في أوانها”، على حدِّ قول المثل البرتغالي.
يا لتقدميَّة من رشَّحه من تحت الزنَّار الإلهويِّ!
مهلاً: أهو مرشَّحٌ لرئاسة جمهوريَّة أم لزندقةٍ إباحيَّة؟
غدي م. نصر