“العين لا تعلو فوق الحاجب”!
يتوضّح لنا يومًا بعد يومٍ أنّ الحرب التي تدورُ اليوم رَحَاها في غزّة ولبنان وسوريا واليمن والعراق وإيران والتي ستتوسّع عمّا قريب لتطال دولاً أخرى في قارات أخرى وقد سبقتها حرب روسيا-أوكرانيا ولازالت مستمرّة هي حربٌ عبثيّة لا أفقَ لها. تُحاطُ هذه الحرب بمشاعر الكيديّة والغطرسة والكبرياء والتمرّد، مع إغماض العيون وصمّ الآذان كي لا يرى أحدٌ من المنغمسين فيها قذارةَ ارتكاباتِهم. وها هي اليوم إسرائيل تجرّ العالم للاشتراك في الحرب وتسعى جديّا لاستخدام الآخر درعًا بشريًا.
أعلنَها بنيامين نتنياهو منذ أسابيع: “سأغيّر وجه الشرق الأوسط”، ما يعني أنّه يصبو إلى تأسيس “إسرائيل الكبرى” ووراء هذا العنوان عقيدة دينية ركنُها “أرض الميعاد” مقاومةً للغضب الإلهيّ الذي شتّت أبناء إسرائيل في أنحاء الأرض لتمرّدهم عليه. “والعين لا تعلو فوق الحاجب”، فكيف يمكن للمرء أن يقاوم غضب الله إلاّ بالتوبة والإهتداء إلى طريق السلام؟ وبعد بضعة أيّام على إطلاق هذا التصريح الذي شغل المواطنين العرب والفرس ونُخَبهم يطلق المرشد الإيراني علي خامنئي تصريحًا آخر يقول: “إذا أخرجوا شرّهم من المنطقة، وتمّ التخلّص من مكائد الدّول الغربية، فستنتهي الحروب والإشتباكات في المنطقة بشكل نهائيّ، وسوف تكون دول المنطقة قادرة على إدارة ذاتها بسلام والعيش باستقرار وازدهار”. ويحملُنا هذا الكلام إلى مضمونٍ بعيد المدى في المعنى السياسي والأمني، بل الجيو-سياسيّ ومفاده أنّ الخامنئي يرفض مشروع الشرق الأوسط الجديد لصالح إسرائيل والذي يطرحه نتنياهو وخلفه الولايات المتّحدة الأميركية، ويرفض استمرار الوجود الأميركي والغربي بشكل عام في المنطقة لأنّها تعرقلُ نفوذ إيران الجيو-سياسيّ والأمنيّ. والأهمّ أنّ هذه الحرب طويلة المدى وفي حال وجّهت إسرائيل ضربة انتقامية لإيران قد تشتعل حرب عالمية ثالثة بسبب خوف أميركا على مصالحها في الشرق، والدّليل على ذلك التردّد الأميركي بإعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل لتوجيه هذه الضربة والخلافات المستحدثة بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية وتحديدًا بين شخصي بايدن ونتنياهو على أثر ما سبق وذكرناه. (لا ننسى إلى جانب كلّ ذلك أنّه منذ “طوفان الأقصى” إلى اليوم، قد استهدف الحوثيون والفصائل العراقية أكثر من 180 بارجة أميركية في البحر الأحمر ناهيك عن عدد كبير من الطائرات_بحسب بياناتهم-).
تداعيات الضربة الإسرائيلية ضدّ إيران هي في غاية الأهمية بالنسبة للولايات المتّحدة الأميركية المنتشرة مصالحُها في الشرق الأوسط، وسيفتح هذا الأمر مجالاً رسميًّا لاندلاع الحرب العالمية الثالثة. لذلك تسعى الإدراة الأميركية إلى تحقيق نوعٍ من توازن ولاسيّما لناحية ما ترغب به إسرائيل وهو توجيه ضربة إلى إيران، وفي الوقت نفسه أن لا تكون هذه الضربة موجعة تدفع إيران إلى ردّ أقسى كما توعّدت، ما يُلزم الولايات المتحدة إلى التدخّل. ولكن على كلّ حال، كلّ شيء بات جاهزًا إذ نجد أنفسنا أمام أساليب جديدة من الحرب وغير تقليدية البتّة.
إدمون بو داغر