المسيحيّون في لبنان من “الخطأ التاريخي” الى “الخطر الوجودي”؟
لم تتمكّن قرون الظلاميّة التي حكمت الشرق من ان تدحر مسيحييّ لبنان، وجلّهم من الموارنة. هم اعتصموا في القمم، متألفين مع خواء الصخر وقفر الاعالي.
من هذا الفوق، صالحوا التاريخ مع الأرض، والزمان مع المستقبل.
هم ما أعطوا اغوسطينوس، المتحدّر من مهاجري شطآنهم، ولا فم الذهب صديق نسّاكهم، ولا الاكويني بالغ الايمان بالعقل. بل كانوهم جميعاً، ليكونوا مُسحاء، إذ وحده المسيح كفايتهم. فيه بلوغ حريتهم، وبه جوهر هويتهم.
من هذا الهنا، وجدوا في الآخر المقصيّ، صورة آلامهم ودعوة قيامتهم. لهم ومن اجله، ستتبلور لقرونٍ في تفاعلياتهم فكرة انشاء كيانٍ مستقّل، حدوده في الشرق طبيعته وهو له استثناء، وآفاقه في الغرب مداه وهو له ارتقاء.
فكان لهم ذلك في العام 1920، والعالم خارج من الصدام الأكثر هولاً، وقد دفعوا من ذاتهم الأقسى في الشرق، ومن ذاتيتهم المنتهى للغرب.
خطيئتهم انهم أرادوا لوطنهم ان يعطي معنى لوجود الآخرين لا ان يحكم عليهم.
مصيبتهم، انهم انتهوا بعد مئة عام بقادةٍ روحييّن وسياسييّن خضعوا لقياصرة كثيرين، فسلّموا بأقّل من ثلاثين من الفضة ما هم به قائمون:
روحيّون تناسلوا على ارائك، محوّلين هياكلهم لشركاتٍ مبتغاها الربح، هرّبوا أموالهم الى الخارج، وادّعوا الانضواء لثورةٍ التهبت بوجه حقيقتهم، صارخين انّ المسيحيّة في لبنان في “خطر وجودي”، على ما اراد خصومهم اقناعهم به.
سياسيّون استباحوا المحرّمات، وما استكانوا وقد حوّلوا المراهقين بعد الشبّان وقود نهمهم للدماء، وأغروا الفساد حدّ الاستكانة به، منشدين اهازيج خصومهم وقد دأبوا على تلقينهم انّ وطنهم “خطأ تاريخيّ”.
هي ساعة الحقيقة يا مسيحييّ لبنان، وجلّكم من الموارنة. لهؤلاء اصرخوا، قبل الخصوم: سنبقى مُسحاء هنا، والآن، لأنّنا “نحنا الأرض العتيقة، وما منرحل” على ما كتب منصور الرحباني.
لتبقوا!
غدي م. نصر