ثاني الأيام السود في تاريخنا!
أخذ علينا بعض الأصدقاء انغماسنا في الكتابة عن الأيام السوداء لحوكمتنا الماضية فيما نتأرجح هذه الأيام في ظروف أحلك وأشد. هنا أذكّر بمَثَل أجدادنا: “تلك القحلة أورثت هذه الوحلة”، وأن من لا تاريخ له لا مستقبل له، وأن من يتلهّى – كما الحال الآن – بحل المشاكل التي تطفو على السطح بدل الولوج لداخل البيت، لن يحل أياً من مشاكله، ما يبدو حالياً مع حكومتنا الدونكيشوتية التي تضيع وقتها وأسلحتها في حرب طواحين الهواء، فيما ينزلق الشعب إلى جوع وقلة لم يعهدها منذ سفربرلك.
عودة إذن إلى “سبب السبب” الذي أورثَنا “جائحة” الفساد وهي أخطر وأسوأ من الكورونا التي تأخذ بتلابيبنا.
جائحة يجهلها شبابنا الطالع ويتجاهلها زعماؤنا الميامين.فبعد إرسال مجلس الشيوخ إلى الجحيم والإستراحة من ظله الثقيل، رأىنوابنا الأشاوس أن “البرطيل” لن يأتي إلى جيوبهم متسارعاً طالما أن النائب لا حق له في الوزارة. فقرروا في صبيحة يوم أسود آخر، 8/5/1929، تعديل المادة 28 من الدستور التي كانت تنص: “لا يجوز الجمع بين النيابة ووظيفة الوزراء”، بإسقاط كلمة من حرفين فقط “لا”، وكرّسوا بذلك لكل منهم وظيفة الحامي/الحرامي بدل المشرّع/المحامي، كما كرّسوا ذبح روحية الدستور وضربوا ديمقراطيتهم النامية في الصميم. الخطوة الثانية على طريق الفساد!.
ولا زلنا اليوم نتجاهل ما اقترف أجدادنا ونسعى عبثاً لصيغة حكم. التشريك بين التشريع والتنفيذ في الديمقراطية يشبه “الشِرك” بالله على صعيد الإيمان. ويجعل من الدستور الحالي طبقأً للمادة (5) من المقدمة، مباراة للناقض والمنقوض، ومن نوابنا “المشرّعين” عصابات للتوزير والاستيزار، وللإستزلام للوزراء أنفسهم، ويزيد من التهافت على نيابة/وزارية لا تمثل الشعب من قريب أو بعيد.
وإلى يومنا التاريخي الأسود الثالث الجمعة المقبل.
د. هادي عيد