ذاك الـ 13 نيسان!
منذ قرابة نصف قرن، في ذاك الـ 13 نيسان 1975، تطايرت شراراتٌ من بوسطة فشلّعت لبنان: أحرقته، دمَّرته، قضت على الصورة التي له… ولم تنتهِ.
تبدّلت جولات، وتداخلت فيها قوى من داخل وخارج: تبادلت التصارعات والتحالفات وما إستكانت. أسماء توالت، واخرى تناسلت وتوارثت… وهي تكتب لها أعمارا جديدة بدمائي.
الحرب هي هي. ولبنان هو هو: هي تبتكر له دجلاً قاتلاً لدجَّالين حوّلوه الى مغالطة تاريخيَّة إذلّوها وإستعبدوها ونهبوها، وهو يقاوم الموت. ما من وطن في العالم شابهه في مقاومة الموت، ولم يتعب.
اليوم أنستذكرها للتطهُّر والخفر امام عذابٍ إنسانيٍّ بات في صلب وجود ما تبقَّى من شعبٍ لبنانيٍّ ها هنا، أو لبلسمة جراح في الأجساد والأرواح والذاكرات والضمائر؟
أنستذكرها إحتفالاً بالإتِّعاظ من أهوالها… لعدم تكرار جنونها؟
أنستذكرها إحتفاءً بأبطالها الحقيقييِّن، من ثبتوا في أرضهم ودفعوا من ذواتهم تمسُّكهم بما هو لبنان حقَّاً، لا أدواتها الدموييِّن وسطوة تقلُّبات غلبتهم؟
لا! نحن لا نستذكرها.
هي حيَّة في كلِّ أحدٍ منّا. هي فينا الأكثر حياة منّا.
هي ما تحوَّلت، بأسبابها وقوامها وأهدافها وهوامشها لا الى مساءلةٍ ولا الى محاسبةٍ، لا الى قوسِ محاكمة ولا الى صرخةِ إعتذارٍ، ولا الى فعل ندامةٍ… ولو معنوية.
هي ما طويَت في صفحةِ مصالحةٍ صادقةٍ تغلب المراوحة في الأحقاد، وتنتصر على تحريضات تهافتِ الإستثمار.
من حقِّي أن أعرف لماذا دُمِّر وطني، وإستًشهِد أهلي، وقًضي على حُلُمِ مستقبلي.
من حقِّي أن أعرف لماذا وكيف باتت خطوط التماس لا بين مناطق واحياء وأزقَّة من أرض بلادي، بل في عقول أبناء شعبي وقلوبهم.
من حقِّي أن أعرف من إستباح عرضي وحوّلني شهيداً، ومتسوِّلاً، وإبن ساحةٍ، ومخطوفاً، وسجيناً ومفقوداً، لا إسم لي ولا عائلة.
لا! أنا لست إبن الخيبة، ولن أكون. قدري إخترته وأصرخه عالياً: لا!
غدي م. نصر