سيِّد نفسه!
من أوكرانيا الى أوروبا، مروراً بالدول العربيَّة، وانتهاءً- او إنطلاقاً- من لبنان، يتبدّد العالم، نتيجة ازماتٍ كبرى مُحرِّكها الأساسي: الهويّة.
في أوكرانيا، استعاد سيِّد نفسه، المتربِّع “ديموقراطيَّاً” على “الدولة الشقيقة الكبرى لها”، مقولة الفوهرر، سيِّد نفسه الألماني، قبل قرن: “حيث هناك ألماني، هناك أرض أجدادي”، مُستبدلاً المانيا بروسيا، ليُجري إستفتاءً شعبيَّاً في مقاطعتيَّها الغنيَّتين بالثروات الاقتصاديَّة، معروفة نتيجته سلفاً: “الاستقلال” عن أوكرانيا. وتأيِّيداً لـ”حريَّة تعبير مواطني الدولتيَّن المستقلَّتين”، أرسل جنوده “قوات حفظ سلام” إليهما.
من يذكر ألمان السوديت في تشيكوسلوفاكيا، واجتياح النازييِّن لهم لِضمِّهم الى المانيا الكبرى وغزوهم لاحقاً لبولونيا والمجر… وفرنسا؟
إنَّه زمن الهويَّات الإلغائية يستعيدها “أسياد أنفسهم” الجدد، بِالحُجَجِ الواهية عينها، وفي ظل التلاشي الاورو- أميركي عينه، الذي كلَّف الغرب ما كلَّفه، دماءً ودموعاً ومآسٍ، لوضع حدٍّ لجنونه.
ومن يستطع اليوم أن يضع حدَّاً له مع المُسمَّى نيو- محور الممانعة: الروسي-التركي-الإيراني، في أقواسه المتداخلة من اوروبا الى المتوسط، ومن بلاد فارس المتأيرنة الى شرق المتوسط فشمال افريقيا؟ كيف اذا أضيف اليه جنون الهويَّة الصينية المُبيدة، المتمدِّدة من تايوان الى عمق إفريقيا فقلب الاميركيَّتين؟
كلُّ ذلك، فيما رؤساء اوروبا، إداريوُّن صغار، هم الأسرع في الإنسحاب من أيِّ مواجهةٍ تقتضي موقفَ بطولة وتستلزم شرف القيم، ويدير الولايات المتحدة عجوز لاهٍ عن حقائق العالم بعجزه، وسيلةً لإثبات الحضور.
ليس في الجيو- سياسي من أوهام، الأوهام تغدو خطيرة في الإستغلال التاريخي المُقيت له.
هي اللعبة عينها، بات يًتقنها سيِّد نفسه في الواقع اللبناني، الحزب الإلهوي الباسط سطوته من ايران الى لبنان، مروراً بالعراق وسوريا وفلسطين واليمن الى… فنزويلا، على أنقاض دول منهارة لكن “مُصَحِّحة لمسار التاريخ” بـ”إنتصارات ألهيَّة تكنس الاميركي وعملاءه من جماعة السفارات”، وتبني “الاوطان المنيعة”.
والغلبة؟ في التاريخ عينه جذوتها: لا هويَّة من دون حريَّة… والعكس صحيح.
غدي م. نصر