صحافيّو الحياة والحقيقة!
أنا لا أموت بل أدخلُ الحياة” (القديسة تريزيا الطّفل يسوع والوجه الأقدس).
لم يَمُتْ إخوتُنا في الصحافة والإعلام، بل دخلوا الحياة، هُم الذين لطالما أعطوا معنىً للحياة الإنسانيّة بنقلِ الحقيقة لحظةً بلحظة. فالصّحافي هو رجلُ وامرأة الكلمة والصّورة ونختصرهُما بالحقيقة. يموتُ يوميًّا عبر العالم ألوفٌ من الصحفيّين والصحفيّات بسبب أمرٍ واحدٍ لا آخر له وهو الحقيقة! فكم يُرعبُ هذا المفهوم نمورٌ ورقيّة وهميّة في السياسة والمال الملوّث والتّجارة السّوداء والحروب الكافرة. والصّحافة والتّواصل هي الدّعامة الأساسيّة التي بفضلها تأسّست كافّة المجتمعات عبر العالَم وبفضل عملية التواصل والنقل rapport بلغت الكلمة والمعرفة التّاريخية والعلميّة والدينية.
لطالمَا اعتَمَدت المُجتمعات في معلوماتِها وتحرُّكاتِها وقراراتِها المتنوّعة وثقافاتِها وأحاديثِها ودراساتِها ومناهجِها التربويّة على تحقيقات صحفيّة وتقارير إعلاميّة وثّقت أحداثًا تاريخية ولقاءاتٍ وابتكارات علميّة وظواهر مختلفة. ولطالما كان الصحافيّ هو الموجّه الأوّل للمجتمع ومكوّن الرّأي العام والمؤثّر بأذهان الكبار والصّغار على حدّ سواء والمُعالج البارع لمسائل متعدّدة ولاسيّما من خلال الإستقصاء الذي يقوم به. وكلّ ما تتناقله الألسن في مجتمعاتِنا الإنسانيّة شرقًا وغربًا هو من انتاج الصّحافيّين بالدّرجة الأولى، لأنّ الفضل يعود لهم بنقل الحقيقة أو الواقع وما يرافقه من قراءات تحليليّة استنادًا إلى مراجع شتّى. إذًا لولا الصّحافة، وبتعبير آخر، لولا جزء من النّاس ممّن كرّسوا حياتَهم لملاحقة الحقيقة (المعرفة برمّتها) ونقلها إلى الشّعب لكانت المُجتمعات تسيرُ مطبقة الجُفُون ومعصومة العيون من كلّ حدبٍ وصوب، ولَبَقيت مختلف العلوم مجمّدةً إلى حدّ معيّن في مكانِها أو في محيطها، ولَمَا انتشرت على النّطاق الذي نحن عليه اليوم، أيْ على النّطاق الكونيّ.
يعودُ الفضلُ، كلُّ الفضل للصّحافة المُتخصّصة والمُثقَلَة عِلمًا وعُمقًا وشغفًا وإبداعًا في نقل الحقيقة والتّأثير وقبل كلّ شيء بالخصم أيْ صانع الفساد؛ فالطّبيب والصّيدلي والمُهندس والمحامي والسياسيّ وأصحاب السّلطة وأصحاب الإختصاصات الأخرى وحتّى المواطن العاديّ لن يتسنّى لهم الوقت ولن تتوفّر لهم الأناة لنقل المعلومة أو المعرفة أو تفاصيل أي حدث وأعظمُهنّ الحقيقة كما يفعلُ الصحفيّ المتخصّص والشّغوف والمُتفاني في رسالته، والأهمّ أنّه قد يكون لهؤلاء غايات ومحسوبيّات ضيّقة قد تمنعُهم من إبراز كافّة أوراقِهم.
إذًا، لنرفع القبّعة إجلالاً وتقديرًا للصحافة، وكلُّ عملٍ صحفيّ هو عملٌ استقصائيّ بدءًا من أبسط معلومة إلى أخطرها وأكثرها تعقيدًا. الرّاحة والسلام لأرواح زملائنا في الصّحافة، ولكلّ مَن هُدرت دماؤهم دفاعًا عن الأرض والعرض في وجه عدوّ أُعمِيَت عيونه وأُغْلِقَت بصيرته.
إدمون بو داغر