ضمائر جافّة!
جفّت دموعُ عذارى وأمّهاتِ أورشليم على بنيها وقبلُهنّ غَسَلَت دموعُ مريم العذراء والمريمات وبنات أورشليم قدَمَيْ المسيح الذي رفضته خاصّتَه وقَتَلته ولكنّه قامَ منتصرًا على أسياد الموت. قال المسيح لبنات ونساء أورشليم الباكيات والنّائحات عليه على طريق الجلجثة: “يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ، لاَ تَبْكِينَ عَلَيَّ بَلِ ابْكِينَ عَلَى أَنْفُسِكُنَّ وَعَلَى أَوْلاَدِكُنَّ،” (لو 23:28). هذا البكاء، بل هذا النّحيب لم يتوقّف منذ ذلك الزّمن ليومنا هذا، لأنّ خاصّة المسيح نفسه رفضته رفضًا مقرونًا بالكبرياء حتّى قال لهم: “هَا إِنَّ بَيْتَكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَاباً! وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لَنْ تَرَوْنِي أَبَداً، حَتَّى يَأْتِيَ وَقْتٌ تَقُولُونَ فِيهِ: مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ” (لو 13:35). هذا وقد نَعَتَها المسيح بقوله الذي يعكسُ غضبًا وحزنًا على المدينة التي اختارها من بين المُدُن ليُعلن منها بشارته، قال عنها: “يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا” (متى 23:37).
كيف ستتوقّف دموع أورشليم ولم تنحني وتعترف بمجيء السيد المسيح، بل بألوهته، فجاء في العهد القديم، في سفر القضاة: “فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ وَقَالَ: «مِنْ أَجْلِ أَنَّ هذَا الشَّعْبَ قَدْ تَعَدَّوْا عَهْدِيَ الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ آبَاءَهُمْ وَلَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِي،.”
أجل! جفّت ضمائرُهم وما جفّت دموع الأمّهات! فبردًا وسلامًا ورجاءً وإيمانًا يا أرض المسيح، يا بيت لحم!
إدمون بو داغر