غزّة- فلسطين شرارةُ حرب الدّول!
إنّه زمنُ التمرّد، إنّه زمنُ الجُحُود، إنّه زمنُ العصيان، إنّه زمنُ الجُمُوح.
إنّه زمنُ الإنقياد وراءَ عواطف مُنحرفة وغير عقلانيّة، تمامًا كالحصان المُستعصي الذي يصعبُ ردّه إلى رُشده فيودي بصاحبه والبعيد إلى جُرفٍ سحيق.
تتمرّدُ الدّول على بعضها البعض وقد جَمَحَت باهتماماتها نحو فرض قوّة السّلاح علّها تُخضعُ خصومَها، وتفرضُ شروطها على طاولة التفاوض، بل المُساومة، بعد إنجاز الدّمار الشّامل، لأنّ الحربَ خدعة.
دخلت المواجهات في العالَم وبشكل مُترابط، ولنتأمّل في هذه المشهدية الحربيّة المترابطة والمعقّدة في آن:
إعتداءات “إسرائيل” على غزّة تبعتها صحوة بركان شمال فلسطين-جنوب لبنان دعمًا ومساندةً للغزّاويّين المنكوبين والمفجوعين. توازيًا، يتبعُ هذه الحرب “الحيوانية” على فلسطين وبهدف مساندة هذه الأخيرة تحرّكات جماعة الحوثيّين المدعومين من إيران بنيران صواريخهم ومسيّاراتِهم ضدّ السّفن الغربية التّابعة بشكل مباشر أو غير مباشر “لإسرائيل”، وبصياغة مرادفة، إنّها إيران التي انخرطت في الحرب بأذرعها الحوثية والحزبلاوية من اليمن ولبنان وسوريا.
وبالتّوازي أيضًا، تتوتّر العلاقة يومًا بعد يوم بين جو بايدن وبنيامين نتنياهو في جوّ من العصيان والجُمُوح على خلفيّة حرب غزّة؛ فبعدما هاجم بايدن الرئيس نتنياهو، ورأى أنه يضر بإسرائيل أكثر مما يساعدها، ردّ رئيس الوزراء السفّاح بأنه هو المسؤول عن مستقبل إسرائيل لا بايدن. وقال نتنياهو في مقابلة مع شبكة “Fox new” الأميركية: “أنا المسؤول عن مستقبل دولتنا لا بايدن. فرقابنا على المحكّ”. وهذا التّعبير يعبّر عن مدى رعب إسرائيل وخوفها على مستقبلها المتهاوي بسبب خسائرها الفادحة على مُختلف الجبهات وعلمًا منها أنّ تأسيسها جاءَ باطلاً.
وهذه القضيّة الفلسطنيّة الدمويّة، تنعكسُ تظاهرات وعصيانًا في شوارع أوروبا وأميركا الشمالية والجنوبية ودول الشرق دعمًا لها وللمنكوبين من أجلها في غزّة، ولا ننسى دول جنوب أفريقيا التي هزّت أبدان الإسرائليين في دعاوى جرائم الإبادة التي رفعتها ضدّها في محكمة العدل الدوليّة. فجميعُ الفلسطنيّين الذين رُحّلوا قسرًا عن أرضهم ليسكنها الصهيونيّ، سكنوا دولَ أميركا وأوروبا وذلك بدون أن يتخلّوا عن حرف واحد من قضيّتهم، وبقوا متأهّبين على الزّناد لحين حلول ساعة الصّفر، وعلى ما يبدو دُق جرس النهاية في السّابع من أوكتوبر 2023. وهذه الشّعوب الفلسطنية السّاكنة دول الغرب ستكون شعلة الحرب العالمية وسبب انهيار هذه الدول وأفولها. فقد قال يومًا الرب الإله لقايين الذي قَتَل أخاه هابيل: “ماذا صنعت بأخيك، فإنّي أسمع دماءه تصرخ إليّ؟” (سفر التّكوين). وها هو الله اليوم يسائل جميع المجرمين والمساءلة ستكون قاسية جدًّا.
وفي مقلبٍ آخر، ليس ببعيد عمّا يحدث في الشّرق الأوسط، هو “الدب الروسي” الذي يُثيرُ نيران هذه الحرب لغايات متقاطعة في نفسه، وأبرز ما ظهر من هذه الغايات والنوايا للعَلَن هو أوّلاً إلهاء الغرب في قضيّة فلسطين وإسرائيل لوقف إمدادات الأسلحة المجانية لأوكرانيا، وثانيًا العمل على إضعاف الغرب (الولايات المتّحدة الأميركية وأوروبا التي نعَتَهَا يومًا “بالقارة العجوز”) من خلال إنشاء حلف “بريكس” وهو عضو أساسيّ في داخله.
ولكن، يجب ألاّ نغفل عن بركان متحرّك على هواه، تارةً يتحرّك وعيدًا وتارةً يناور نوويًا وتارةً يستعرضُ إعلاميًّا، هو كيم جونغ أون Kim Jong Un، وهذا الرّجل الذي تحسبُه معظمُ الشعوب فاقدًا للرشد والعقلانيّة، غير أنّه في المقابل الأكثر تخطيطًا من الجميع.
إدمون بو داغر