فاوست اللبناني!
ليست المرّة الأولى التي تنسحب فيها اميركا، تاركة حلفاءها للفجيعة. حرفة تكتيك اليتم دأبت عليها بعد سلسلة حروب صغيرة اشعلتها، وابتدعت لها هوليوودها اوهام نهايات بطوليّة. غير انّ تكتيكها الفجائي هذه المرة أشمل، فهو امتدّ من كابول الى العراق فالخليج فكوريا الجنوبية، وذهب لبنان المصدّع فرق عملته.
واضح انّه داخل اميركا- ما- بعد- كورونا، تراجعت (الى متى؟) استراتيجيّة النيو-جمهورييّن القائمة على القوّة لحكم العالم، لصالح شعار “اميركا اولاً” وترجمته الإرتداد الى الداخل، والخروج من بؤر التوتر العالميّة، والإعتماد على الإقتصاد، وعصبه الدولار، لتركيع الخصوم وتطويع الحلفاء.
وحده الرئيس الفرنسي، الآتي من خلفيّة مصرفيّة يهودو- اميركيّة، استدرك القدر فغامر بعقد صفقة مع العراق، الميتّم والخائف على ديموقراطيّته المبعثرة، وأصاب هدفين معاً: في بلاد ما بين النهرين، وامبراطوريّة فارس الإلهيّة الممتدّة من حدود الروس الى ضفاف المتوسّط.
امّا لبنان فلم يعد وطناً، لم يعد حتى دولة مرحليّة ولا حالة انتقاليّة، لا صيغة وطنيّة ولا شراكة ميثاقيّة. ابتلعته دويلة الحزب الإلهوي، فيما تيتّم السعوديّة، حيث لا الاسلحة الاميركيّة التي اشترتها تعرف ان تستخدمها ولا الاموال التي هدرتها قادرة على استعادتها وعصر النفط آفل، اصاب السنّة مقتلاً.
وفيما المسيحيّون يهجرون وطناً، أعلوه، وما عرفوا ان يحافظوا عليه، يتصارع منتحلو حكمتهم بالتمريك على بعضهم اذا ما كانت المناولة بالفم هي الأصّح ام باليد (حتى المسيح يريدون مصادرته لمماحكاتهم. هل نسوا مصير بيزنطية وعقم جدالها؟)، ويقفز اراجوز جمهوريًتهم زهواً، وقد تلبّس دور فاوست الذي عقد ميثاقاً مع الشيطان، مسلّماً ايّاه نفسه بكليّتها، شرط ان يُجلِسَه على كرسي بات في الخلاء.
في لبنان المحتّل، الجنازة حامية والميت… وطن. وفاوست، الراقص على اشلائه، لم يدرك انّه ليس بمنتصر، فالشيطان الذي اشترى نفسه سيحمله الى مثوى الظلمات لا الى الحياة! هي تلك نهاية فاوست… ما ذنبي أنا؟!
غدي م. نصر