لا “لشوكة الموت الدماغيّة”!
تتنقّل يا صديقي في مجتمعات العَالَم وتجدُ لكلّ انسانٍ قضيّةً ومن ثمّ تدخلُ إلى أعماق نفسكَ فتجدُ أنّك بحكمِ الانسانيّة مُلزَمٌ بالإصغاء الى الآخر إلى حدّ يجعلك انسانًا مُشبعًا حقيقةً بمعاني الانسانية. ليست العاطفة فحسب هي المحور في حديثنا، بل العقلانية المنعطفة نحو العاطفة والتي بدون هذه الأخيرة يغدو الإنسان “آلةً حاسبة” لا تعرفُ سوى حساباتٍ رقميّة تعود إليه وحده بالمنفعة، وبذلك يكون قد فقدَ الخيرَ الأعظم الذي يجعله على صورة خالقه الذي هو قبل أيّ شيء آخر حبّ ورحمة والمحبة أعظم الفضائل ومصدرُها.
لا تُجهدَنَّ نفسَك اليوم في البحث عن انسان، فهذه الإنسانيّة التي عرفناها لزمنٍ طويل جدًّا ستندثر وسيحلُّ مكانَها، بل سترثُها بذرة بشرية جديدة متجدّدة خُلُقًا وخَلْقًا. ولن يزول هذا الجيل قبل أن يشهدَ على انحدارِ فتهاوي حضارة القرن الحادي والعشرين وزمن 2.0 وبعدها 3.0. هذه الحضارة التي تأسست على مبدأ التسليم “الأحمق” لتكنولوجيا من صنع أيادي البشر، لتحلّ مكان البشر، وتتّخذ القرارات المصيرية بما يتعلّق بأعناق هؤلاء البشر الذين وضعوا ثقتهم بما صنعت أيديهم وتنحّوا جانبًا.
ومن هنا، سينقسمُ المجتمع الإنسانيّ إلى مُجتَمَعَيْن: مجتمع سيُسلّم روحه وإرادته الحرّة للآلة والرجل الآلي، بل سيزرع في نخاعه “شوكة الموت الآلي” وطبعًا لهذا المجتمع أسياده ونخبه ومن يديره. ومجتمع آخر سيبقى متمسّكًا بمبادئ الأخلاقيات الدينية والإنسانية والتي فُطر الإنسان عليها ولا منّة لأحد له عليها، وهذه الفئة المحافظة على كرامتها سيكون لها مَن يرعاها ويهتمّ بيوميّاتها ويوميّات عائلاتها من نُخب ومتنوّرين ولكن محافظين. وها هي هذه الفئة قد بدأت تأسيس مجتمعها واستمراريّتها وشبكاتها الخاصّة، ولن تستسلم لا للآلة ولا للعملة الرقمية ولا “لشوكة الموت الدماغية” والتسمية التي قيل عنها علمية هي Neura Link ولا لشيء ممّن كان يجرّب على الفئران، واليوم بات يُجرَّب على عدد من البشر الذين أرادوا التطوّع بغباء غير مسبوق لتحويل ذواتِهم إلى مجرّد آلة يتحكّم بها من أخفوا أمرهم عن شعوب الأرض.
إدمون بو داغر