لبنان اندحار الأمبراطوريات بالإستثناء؟
لا جديد تحت الشمس في الشرق. فهو مذ كان، مهد تصارع الظلاميات المتجسدة في ايديولوجيات متحجرة استأثرت بامتدادات الصحاري، وكرّستها امبراطوريات. فلا روح فيها لتسير بالحق، ولا جوهر لها ليحلّق بها الى الرحابة. عهودها استعباد بحتميّات متصارعة الى ان تلغي حتميّة دموية، أخرى اكثر شراسةً، تاركةً إرثاّ من القهر والدماء والجنون.
من سرجون الأكدي الى نبوخذ نصر الى صدّام، ومن داريوس الى ارتحششتا الى الخميني، ومن رعمسيس الى كليوباترا الى عبد الناصر، ومن زنوبيا الى صلاح الدين الى الأسد، ومن عثمان الى محمد السادس الى اردوغان، حكّام استبدّوا، تناسخوا وتألّهوا، ناصبين لأنفسهم أصنام استيطان التاريخ، والغائيات الحاضر، ومصادرة المستقبل.
وحده لبنان، كان الاستثناء… مذ كان صخر وعيّ لا تطويه مقهوريّة، وقمم إدراك لا يلغيها طغيان.
هو قبل ان يكون مساحة متنوعّة، نافرة، متصلّبة، استثناء. له كل الذاتيّة منه، وهو خلاصته. وإن كان استنبط الحروف ومنها لغة التخاطب الأسمى، فلكي يؤسّس التلاقي البشريّ على حقيقة الانسان كائناً ينتصر على الموت بالحضارة، وهي ثورة الحياة الدائمة بسلام الحق.
من قدموس الى اليوم، ولبنان الاستثناء هذا، متواصل على الرغم من الصعوبات، ثابت على الرغم من الأضاليل، راسخ على الرغم من المواجهات. كان ليبقى! به خلاص الشرق من اوهامه الدمويّة، وايديولوجياته الاستبداديّة، واستشراساته الدينيّة.
قبل ان تتأكدوا من الأبعدين، استجلبوا الى منصّات احكامكم، أولئك الذين من ابنائه تآلفوا مع ثورات العنف الفلسطينيّة، وثورات الفشل الناصريّة، وثورات الاوهام العربيو- نفطيّة، وثورات التصدي البعثيّة، وثورات الممانعات النيو- فارسيّة، وثورات الذبح الداعشيّة، وثورات الصنميّة النيو- عثمانيّة…
استجلبوهم، وهم جميعاً، استقووا على لبنان المعنى وابنائه الأخرين بتلك الارهاصات وغالوا بها.
استجلبوهم وقولوا لهم انّ راديكاليّة لبنان هي ديالكتية الروح والتحرّر.
مقلقٌ لبنان بها؟ أجل! وسيبقى!
لأمبراطوريات الظلاميّات وأصنامها الاندحار، ولو عششّت في حاضراته. وهو الباقي… بقاء الجوهر في اصالة المعنى!
غدي م. نصر