لبنان من السلطة المافيوية الى ثورة الضمير؟
واخيراً، بات لبنان يشكّل نموذجاً للسلطة المافيوية في الحكم. فمنذ تعرّف العالم على الحركة المافيوية بأبعادها الاجرامية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وهي تنظيم سريّ، يُدار جماعياً بشكل منظّم، متغلغلاً في مختلف شرائح المجتمع، لا يتغاضى عن القيام بالمعاصي وارتكاب المحظورات واستباحة الاعراض لإحكام سيطرته على مواقع التسلّط.
وإذ تماهت المافيا مع النموذج الأخطبوطي، بحيث إذا ما تمّ قطع جزء بقيت الاجزاء الأخرى فاعلة، فإنّها ما بلغت يوماً حدّ اغتصاب سلطة كاملة في بلد ما، وبوسائط شبه ديموقراطية، كما هي الحال في لبنان مطلع القرن الحالي. وإذا ما كانت سطوتها ترتكز على فاعليّة التكتّم حدّ ابتكار الأسرار، فإنّها تقوم لبنانياً على وقاحة في المجاهرة، مع ادعاء التعفّف واستيلاب لغو التجرّد.
هي الفرادة اللبنانية، بتبادعيّتها الخلّاقة وابتكاراتها المنجزة، وفق رضاءٍ تشاركيّ فذّ: فلهذا احتكار العنف المادي والمعنوي، ولذاك المتاجرة بالممنوعات. لهؤلاء الاتجار بالبشر، ولأولئك تبييض الاموال وتنويع الاستغلال. لهذا وضع الأيدي والمصادرات، ولهؤلاء بناء الأنظمة الرديفة وزرع المحسوبين. لذاك التفنن بالتهرّب، ولأولئك ابتداع المساومات والإمعان بالمخادعات. وللجميع السيطرة على منابع النفوذ وتقاسم مصادر الريع وتكديس المداخيل، الى استجرار المحميات المناطقية والسياسية والادارية والقضائية، واختلاق الحمايات الطائفية واستجماع شراكات السلطات الدينية.
الى اين من هنا؟
لا الاحتماء بالماضي ينفع، ولا الهروب نحو الخارج ينقذ.
يوم وقف يوحنا-بولس الثاني في اغريجنتي الايطالية في العام 1983، صارخا: “ايها المافياويون، ارتدوا!”، كان يطلق ثورة الضمير بوجه سلطات المافيا واستعبادياتها. قوام الضمير الجرأة في الحق، باعلاء الصوت قولا،ً وبالمجاهرة فعلاً، وبالتحرّر من الخوف ثباتاً. لا بالشعبوية في ابدال تسلّط متذاكي بآخر غبي.
ليست السلطة المافيوية في لبنان قدراً. هي تهوي، إن اطلقت ضميرك صلباً في مواجهتها. وعلى انقاضها تُعلي عهد قيامتك! عهد قيامة لبنان!
غدي م. نصر