ماكرون يتفقّد “الإبن الضال”
في ظلال الحكم العثماني، كان “جبل لبنان” الطفل المدلل للدولة الفرنسية بواقع الصلات الثقافية والستراتيجية. وكان طبيعياً بعد انحسار “السلطنة” أن ينضوي لبنان ومعه سوريا تحت الإنتداب الفرنسي. ثم اقتنع اللبنانيون والفرنسيون بضرورة توسيع الحدود لتشمل مقاطعات البقاع والساحل وتأسيس دولة “لبنان الكبير” التي نالت كينونتها الدولية سنة 1920.
صحيح أن فرنسا أعطت لبنان من “حواضر بيت” جمهوريتها الثالثة دستورها المُعدّل الذي ألبسته طربوشاً لبنانياً. لكنها ساهمت إلى حد كبير في إرساء المؤسسات الإداريةالمختلفة تماماً عن نصوص الآستانة حيث كان “البرطيل” لغة الحوكمة السائدة، وذلك باستحداث مجلس شيوخ رديف للنواب، وبالفصل الناجز بين التشريع والتنفيذ. لكن زعماءنا الأشاوس، مع الفساد التركي الجاري في عروقهم، سرعان ما ألغوا مجلس الشيوخ، ورجعوا إلى “الشِرك” بين النيابة والوزارة، وكرّسوا عودة الفساد الذي راح يستشري لأيامنا هذه.
هذا الضلال في الحوكمة يعرفه ماكرون وحكومته حق المعرفة. لقد أتى ليتفقد “الإبن الضال” الذي بدّد بفساده ثروات العائلة اللبنانيةودفع بها إلى حفافي الفقر والجوع. حبه للبنان واضح،وزيارته الأولى لفيروز وزرعُه شجرة أرز في محمية جاج قبل اجتماعه بأي مسؤول آخر تتكلم عن نفسها.
وردّاً على كلمة ترحيبيةبزيارته الثانية أرسلتُها للرئيس، فوجئتُ برسالة شكر من صفحتين أتتني من مدير مكتبه بالأليزيه يشرح فيها جهود ماكرون في استنهاض الدولة اللبنانية من فساد تفشى بجسمها لمائة سنة كما الكورونا. ولم يتردد السيد بلونديل عن التشديد ” أن فرنسا ستضمن تقديم كل هذه المساعدات مباشرة إلى الناس والمنظمات غير الحكومية والأفرقاء العاملين على الأرض.” متخطياُ الجهاز الحكومي الفاسد.وأضاف أن “الرئيس سيتابع الدعم للشعب اللبناني يوم يهنيء اللبنانيين أول أيلول بالعيد المئوي لتأسيس دولتهم”.
لكن الفارق أن “الإبن الضال” رجع إلى أحضان أبيه تائباً، بعكس “أبنائنا” الذين يتمادون بضلالهم!
د. هادي عيد