مسبّبات الإنسحاب الأميركي من سوريا !
كثرت التحاليل حول ماهيّات الانسحاب الأميركي العسكري من سوريا وقلّت المعلومات. وكما العادة، اختلف الفرقاء في لبنان بين من يراهن على انتصار النظام الاسدي وحلفائه، ومن يعتبر انه انسحاب تكتي لا يعني بالضرورة بقاء الأسد في سدّة الحكم.
خلفيات القرار، كما يراها مسؤولون أوروبيون معنيون بقضايا الشرق الأوسط، ليست بهذه البساطة، وتدخل في سياق إيجاد او اعتماد طرق جديدة لتطبيق السياسة الخارجية الأميركية وسبل التعامل مع مختلف الأزمات عبر القارات، ولا تعني بالضرورة تغييراً في الرؤى والاستراتيجيات الأساسية. ان الرئيس الأميركي الجديد يعتمد المسار نفسه الذي حدده سلفه باراك أوباما، أي التركيز على الداخل الأميركي أولاً، ولو اختلفت الاستراتيجية والخطابات. يبقى السؤال، ما هي الخطط الجديدة التي سيعتمدها الجبار الأميركي لتحقيق أهدافه بأقل كلفة ممكنة؟
اتخذ الرئيسان أوباما وترامب العِبَر من الأخطاء الجسيمة التي ارتكبها الرئيس الأسبق جورج بوش في المنطقة، والتي حمّلت الولايات المتحدة أعباء باهظة دون ان تحقق الأهداف التي رُسمت.. على الأقل حتى الآن. ومن الواضح انهما قررا استخدام سبل جديدة لتنفيذ السياسة الخارجية، من خلال الاستفادة من الإمكانيات الاقتصادية الجبّارة للولايات المتحدة، ليس لدعم من يتماشى وسياستها كما في السابق، بل للضغط على الأنظمة والدول التي تتعارض معها. في هذا السياق يأتي قرار الانسحاب العسكري من سوريا، التي ستبقى في المجهر الأميركي الى ان يتحقق مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي لا يزال ساري المفعول بل قيد البلورة بصيغ جديدة بحسب المعطيات المستجدّة.
وقت إضافي للأسد
بالشكل، يبدو الرئيس السوري بشار الأسد هو المستفيد الأول من القرار الأميركي بالانسحاب عسكرياً من سوريا لجهة سيطرته من جديد على “بلاد الشام”، لكن بالرغم من تحسّن وضعه الداخلي فهو لا يزال عالقاً بين السندان الأميركي والمطرقة الروسية، كما المطارق الخليجية والتركية والصينية. الامر الذي يجعل منه ربما أضعف اللاعبين على الساحة السورية، إذا استثنينا الشعب السوري المغلوب على امره طبعاً. وفي اعتقادنا، لا يزال مشروع تغيير النظام السوري قائماً، حتى ولو اختلفت الوسائل بين اللاعبين الدوليين، التي منحت الرئيس السوري وقتاً إضافياً دون ان تعطيه السلطة الكافية ليحكم بلاده كما يبتغي.
لبنان لا يزال معلقاً
لا يزال لبنان غارقاً في رمال الشرق الأوسط المتحرّكة، يغرق رويداً رويداً كلّما برعط سياسيوه الفاشلون. ورغم تعويل البعض على استعادة سوريا الأسد “عافيتها في لبنان” لينتصروا، واعتماد البعض الآخر على انهيار النظام الاسدي ليستعيدوا وجودهم، لا تزال سوريا أضعف من ان تنتشر ما وراء حدودها، كونها في مرحلة انتقالية تتأرجح بين التفكك وإرساء نظام جديد أكثر ديمقراطية لجهة تمثيل الجميع. فيما يستمد الأسد بكل بساطة قوته في لبنان من زحف لبنانيين نحوه ليس الا.
اما الإنسحاب العسكري الأميركي فلن يغيّر في قرار الحفاظ على أمن لبنان حتى اشعار آخر، رغم رغبة البعض ومسعاهم لتحويلنا من جديد الى ساحة صراع إقليمية. علما ان قرار السلم والحرب ليس منوطاً بالوجود العسكري الأميركي، ولا يقتصر على رغبة جهة واحدة. وخلافاً لما يدّعيه المعطلون، لا تزال الأبواب مشرّعة امامنا كي نستعيد سيادتنا.. لو كان لدينا رجال رجال يحكموننا!
جوزف مكرزل