من ترابه والى ترابه نعود
لبنان العظيم انا لست اخترعه. هو ابتكار التلاحم بين الوحي والرؤية والشهادة، بقوة العشق، ولستُ اقبل بأقّل منه. فأنت لا تكون لبنانيّاً إن لم تحب اولاً واخراً هذه العظمة التي فيه. انت تجيء من المطلق الذي فيه الى النسبي الذي فيك، لتغدو وايّاه نبضاً واحداً لكيانٍ واحد. انت قبل ان تغدو مسيحيّاً، مسلماً او يهوديّاً، مجبولٌ من ترابه، ومن هذا التراب تستمّد مناهلك، بالإخلاص لعمقك ولكثافة هذا الوطن فيك.
انا ما همّي والغلاة؟ ما يجمعني والآخر في وطني هو هذا العشق اللبناني. وحده هذا العشق يشدّنا إلى أرضنا التي غدت وطناً عظيماً، اي فريداً.
به نكون معاً او لا نكون.
به نعيد احياء هذا الشرق المستوحد الذي ما اخذنا الّا الى اوقات موت، فحملناه الى التماسات القيامة.
به ندرك انّ مجد العالم ليس يمحي جلجلاتنا المشتركة التي منها ضياء انتصارنا.
لقد آن الاوان ان نعبر بعشقنا هذا مصلوبيّتنا اليوميّة. تلك التي دفَعَنا اليها اؤلئك الذين ما قادونا الّا إلى جهنم، وأوهمونا بتوقيف العدّ، ونحن ما كان عددنا عقدتنا، ودنّسونا في زيف جهادياتهم بوجه صليبيّات وهميّة. اولئك الذين يتصارعون بأجسادنا، ويعلون كراسيهم على جثثنا، وهم بالخفية او بالعلن متحالفون، وبالتناوب علينا متآمرون. وما كفاهم تشرّدنا، ولا نَهَاهُم بؤسنا ولا ردعهم يُتمُنا، حصيلتهم، منهم وبهم.
نحن اصالة لبنان وهو اصالتنا لأنّنا من ترابه. وانتم من السفالة واليها تعودون لأنّكم تقاسمتم ترابه، وعلى عظمته اقترعتم.
نحن وديعته وهو وديعتنا. وانتم من الحقارة واليها تعودون لأنّكم على هيكله قامرتم، وعلى لاحصريّة الإرتهانات توزّعتم.
نحن عصارته وهو عصارتنا. وانتم من الدناءة واليها تعودون، لأنّكم شرذمتم ما يجب ان يكون عنوان وحدة وصنو سيادة: التراب الأعرق، التراب الضرورة.
أنتم الى مطامر افعالكم، ونحن الى ترابه، نعظّمه ويعظّمنا؟
ببعضنا نتعظّم، وقد تجاسرنا على ان نطأ على موتنا بموتكم.
غدي م. نصر