نقطة الماء!
مصيرنا في لبنان شبيهٌ بهذه الحكمة القرويّة التي عبرها يمكننا القول: ” ليست الدّنيا بألف خير”!
الصّغار يحبّون أجدادهم، ويقدرونهم، لأنّ الأجداد هم المدرسة الحياتيّة التي لولاها لما وجدت التّقاليد والعادات التي هي عربون محبّةٍ وإخلاص، لتراب الضّيعة اللّبنانيّة الصّادقة كصدق العناقيد وهي متدليّةٌ من العرائش بكلّ لطافة، همّها القطاف المثمر، الذي يجعلها عند عتبة المواسم أناشيد سماويّة، لحونها تتباهى بها أرضٌ عاندت قهر كانون لكي تتبارك في شهر تموز، ليليه شهر آب، حيث يكون شهر الذّواقة والطّيبة، وهذه الطّيبة تبقى عناقيدها مخمّرةً لدى الأجداد في داخل الخوابي الفخاريّة، التي يفوح عطرها عندما يقرع الباب، كأنّها تقول:”الحياة جميلةٌ على الرّغم من كلّ الصّعاب”.
وفي إحدى ليالي الشّتاء البّاردة، حيث الزّمهرير يعصف بجدران منازل القريّة من دون رحمة، هناك صبيٌ يدعى رامي لا يتعدى عمره عشر سنوات، يسكن مع جدّه في منزل صغيرٍ في ضيعةٍ كرّست حياتها لعرق جباه سكّانها، وبقي رامي مع جدّه لأنّ والديه هاجرا إلى أفريقيا، طمعًا بتأمين العيش الأفضل للعائلة. وقد كان رامي اليد اليمنى لجدّه على الرّغم من صغر سنّه، وبينما العواصف تعصف خارجًا، والأمطار الغزيرة تنهال على سطوح المنازل بقوّةٍ عنيدة، طلب إليه جدّه أن يحضر وعاءً لأنّ السّقف “عم يدلف” نقطةً نقطة، وللتوّ أحضر رامي وعاء، عندما رآه جدّه قال له: “يا جدّي اللّيل طويل والنّقطة التي تراها صغيرةً ستغدر بنا، لذا عليك إحضار وعاءٍ أكبر”، وعلى الرّغم من عمق الوعاء، فعند الصّباح كانت المياه تسرح في المنزل، ولمّا استفاق رامي صرخ قائلاً:”أنظر يا جدّي إنّ الماء يغمر أرض المنزل”، وبكلّ برودة أعصاب أجابه جدّه: “أرأيت ماذا فعلت النّقطة، أما قلت لك إنّه وعلى الرّغم من عمق الوعاء، لا يجب الاستهانة بها؟!
هذا هو مصيرنا في لبنان.
صونيا الأشقر