هاجس سقراط!
“ماذا لو إنتصَبَت القوانين وسألَتني: ما أنتَ فاعل؟”
بهذا السؤال أجاب سقراط المحكوم عليه بالموت جوراً، لمن أتى يُساعِده على الهروب.
وبهذا كرّس نفسه أحكم الحكماء. وعلى شهادته، إرتفَعَت مدائن وعَلَت حضارات.
لم يعرف سقراط حُكَّام لبنان: سلالة الجور وهَتكِ الحُرُمات.
هم الذين لا قوانين وطنهم رَدَعَتهم، ولا أحكام الشرعيَّة الدوليَّة أهابَتهم. ويتحلَّقون في حَرَم كنيسة، بعيد أمتارٍ من جريمة العصر التي دمَّرت عاصمتهم بسبب إهمالهم أو جرمهم – وحدهم يعرفون–، للصلاة معاً إكراماً لأب الطائفة المؤسِّسة للبنان، الذي إغتصبوا حتى قدسيَّة إسمه. ولا من ضميرٍ يؤنِّبهم، بل رَهطُ أزلام يصيحون لكلٍّ منهم: “كبير.”
ويلٌ لوطن، حكّامه أوغاد يتحاصَصون وحشيَّة التسلُّط وإحتكارات إستعباد مواطنيهم حدَّ فَرض تكرار تنصيبهم الى ما بعدَ بعدَ الأبد، في إستحقاقات يتلاعبون بمصائرها على هواهم!
ويلٌ لدولةٍ، المُحرِّض فيها يَستهلِكُ القوانينَ نوباتِ كيديَّاتٍ تُصَغِّر الكبائر وتستَفظِعُ الصغائر. فيها يُحاكم البريء، ويُحمى المرتَكِب!
ويلٌ لمسؤولين مُشتَبَه بِهِم، يستنبطون خِدع الإفلات من المحاسبة والعقاب، بِحِجاب القوانينَ التي جعلوها مطيَّة إدِّعاءات حصاناتهم، فيما يسارعون لِطَمسِ آثار جرائِمِهم بِعناية!
ويلٌ لشعب هُجِّر ربع مليون منه، وقُتِلَ مئاتُهُ مباشرة وملايينُهُ بغير المباشر، ويرتضي التضحية بنفسه إكراماً لِمَن يساعده على دوس شُرعة، فيما يَصمُت عنه وقد وَضَعَ له خِطَّة تعافٍ سيُحمَّلُه فيها الجزء الأكبر من سَدادِ خسائر نَهبَهِ!
ويلٌ لابناء يرقصون في المراتع، فيما يستَميتون على أبواب السفارات شحذاً لإذن هجرة، ولا يَفتحوا أبواب السجون للمُخادع الذي يذلِّهم بِدَوسِ حقوقهم، وللمخلِّص الذي يرسِلُهم الى أعماق الجُحمِ!
ويلٌ لشرعيَّة دوليَّة تطالب من عصابة مُتحكِّمة بأشلاءِ وطنٍ إستفردت في السطو على مالِه العام والخاص، إنقاذَه مِن نفسها!
آن الأوان أن تَنتَفِض بيروت المحكوم عليها بالموت جوراً، لحقيقتها، مُستَلهِمة هاجس سقراط، لتستَّحق، من جديد، لَقَبَها: “أمَّ الشرائع ومُرضِعَة القوانين.”
غدي م. نصر