يد الله لن تستكين حتّى دمار سلطة الشرّ!
تنطفئُ جبهة وتشتعلُ أخرى. لم يعدْ للشكّ مكانٌ بأنّ الصّراع الذي انطلق من أرض الأنبياء والمسيح، من “جليلِ الأمم” بحسب الخريطة الجغرافية التي تعود الى زمن السيد المسيح سيمتدّ إلى ما شاء الله حتّى انتصار الحق أيْ كلام الله في التوراة ولاسيّما العهد الجديد. هذا الصّراع الدمويّ الذي ذهب ضحيّته منذ أوكتوبر 2023 حتّى هذه السّاعة ضحايا بالآلاف من أطفالٍ وأمّهاتٍ وآباء وكهول وأطبّاء ومسعفين وصحفيّين ومقاتلين وسواهم من الجسم المدني والعسكري، وقد صرخت دماؤهم إلى خالقها بصوتٍ مدوّ على غرار دماء هابيل.
أصبحَ مؤكّدًا بأنّ الغربَ لم يرتحْ بإبعاد إسرائيل عن أراضيه وزرعِها في الشرق وتحديدًا فلسطين، (بموجب وعد بلفور) فهي ستورّط الغربيين بحرب عالمية ثالثة بدءًا بحربٍ إقليمية من أرض “جليل الأمم”، وقد ذكرنا ذلك في مقالة سابقة بعنوان “غزّة_فلسطين شرارةُ حرب الدّول!” (بتاريخ 12 آذار 2024).
لنعدْ إلى التّاريخ الموثّق، فمنذ العام 1973 لم تحاربْ إسرائيل سوى ميليشيات، بمعنى أنّها لم تُحارِب جيشًا نظاميًّا، ولذلك فهي تسعى جاهدةً ولكي لا تتجرّع هذه الكأس ثانية، إلى منعِ الجيوش المجاورة من التسلّح وذلك لأنّ جيشها الرّضيع لن يتحمّل. والدّليل على ذلك حالات الإنتحار في الجيش الإسرائيلي التي تخطت الثلاثين حالة منذ أوكتوبر 2023 وتمنّع طائفة الحريديم اليهودية المتشدّدة من الانخراط في الجيش، والدليل الآخر أنّ الدّنيا قامت ولم تقعدْ في الإعلام الإسرائيليّ بأنّ الولايات المتّحدة الأميريكية سلّحت الجيش المصريّ منذ أسبوعين (من تاريخ هذه المقالة) بقيمة 5 ميليارات دولار. لنكن إذًا واقعيّين، كيف يمكن للجيش اللبنانيّ أن يمشّط و”يكنس” خفافيش السلاح من الجنوب اللبناني وتحديدًا من منطقة اللّيطاني؟ وها هي إيران تعود وتهدّد من جديد إسرائيل بميليشيا جديدة ستظهر قريبًا في سوريا وحزب الله بدوره يشكّلُ ميليشيا جديدة “أشد فتكًا” بحسب قوله وقد بدأ بإفراغ اتفاق وقف اطلاق النار من مضمونه.
وتوازيًا، إذا استمرّت حكومة بنيامين نتنياهو بعنادها لتحقيق خريطة شرق أوسط جديد وهي بالتّالي مخطّط هنري كيسنجر الذي مات عن عمرٍ ناهز المائة عام وتستقي هذه الخريطة روحيّتها من التوراة أي الكتاب المقدس من العهد القديم وترجمتها على أرض الواقع بـ”إسرائيل الكبرى” حدودها من الفرات إلى النّيل وبالتالي يمسح هذا المخطط جغرافيا لبنان وسوريا ومصر والأردن ومكّة المكرّمة في السعودية، فإنّ دمارًا كبيرًا سيلحق بشعوب المنطقة والدول، لأنّ هذا المشروع لن يتحقق بغمضة عين. والملحوظ أنّ هذا المخطط أرادوا تنفيذه من خلال دفع الدول العربية المعنية إلى normalisationالتّطبيع مع إسرائيل، غير أنّ هذا التطبيع لم يصل إلى خواتيمه، وحدث فجأة طوفان الأقصى، فتبدلّت العديد من الخطط وأصبحت الغاية تحقيق شرق أوسط جديد أو بتعبير آخر “إسرائيل الكبرى” بالعنف والتوسّع الجغرافيّ. وإذا أعدنا خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن عشية إعلانه وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرئيل، فقد خَتَمَ خطابَه بجملة مفادها: “على المملكة العربية السعودية التطبيع مع إسرائيل”، غير أنّ من يسمع هذه الجملة الختامية قد يذهب في مخيّلته بأنّ الأميركيين يعتبرون أنّ تطبيع السعودية سيُلزم العرب بالتطبيع ويقصّر الطريق أمام الإسرائيليين لتحقيق مشروع خريطة الشرق الأوسط الجديد أو “إسرائيل الكبرى” لاعتبار مكّة هي جزء من الخريطة.
ونختم هذه المقالة، بأنّ دخول الجيش الإسرائيلي يتقدّمه نتنياهو إلى جبل الشيخ أو جبل حرمون، هو دليل تمرّد جديد على كلام الله في التوراة أو الكتاب المقدّس وتوجّه سريع نحو الإنتحار، لأنّ هذا الجبل هو الجبل الذي نهى الله النبي موسى عن دخوله عندما كان يقود الشعب الإسرائيلي في البرية قائلاً له: “أغمض عينيك. هذا الجبل هو وقف لي. لن تطأه قدماك لا انت ولا الذي سيأتي من بعدك” (تثنية الاشتراع: 3/25؟ 32/52؟ 34/4). وفي موضعٍ آخر من الكتاب المقدّس ورد التالي: ونظر موسي الى الشمال، الى ارض لبنان والجبال! وهذا الجبل لمن؟ قال! اغمض عينيك!!! محال! اجابه الله بصوت زلزال… وقف لي، هذه الارض والجبال، لن تطأها، قدماك، ولا كل ما عندك من رجال!!! لبنان وقف الله الان والى الازال.(يشوع بن سياغ 1/4، حزقبال 30/3، 31/15).وعلى هذه الجبال تمنى تلامذة السيد المسيح ان يقيموا مظالهم «هنا» في جبل لبنان في طور حرمون حيث يقال ان المسيح جاء مع تلاميذه وتجلى امامهم واصبحت ثيابه بيضاء كالثلج. هذا ولا ننسى بأنّ اسمَ لبنان تردّد لأكثر من 71 مرّة، وفي كل مرة يريد الكتاب المقدس ان يتكلم عن جمال الله فهو يشبهه بجمال ارز لبنان.
إدمون بو داغر