يومنا الأسود الرابع.. إتفاق الطائف
أيلول 1989 : هبط “فينيق” الطائف بجناحيه السعودي والسوري على اللبنانيين هدية من السماء مُنهياً سنوات الحرب والاقتتال الطائفي. لكن خشبة الخلاص هذه تحوّلت إلى نقمة على اللبنانيين الذين راحوا يترحّمون على زمن الحرب الذي استُبدل بسنوات الفقر والقهر، نتيجة الممارسات الإنتهازية التي أباحها “الطائف” بعد تكريسه لزعامات سياسيّة ما زالت ليومنا تتحكّم بالبلاد ورقاب العباد.
اتفاق الطائف أسقط النموذج الاقتصادي المالي اللبناني الذي أنتج الليرة، دولار الشرق الأوسط في حينه،وقوامه المبادرة الفردية واقتصاد السوق، وحوّله لنموذج اقتصاد ريعي ينهب مقدرات الدولة عبر المحاصصة الطائفية. الراعي السوري للإتفاق، والذي صاغه ليعمل فقط في ظل وصايته بعد أن ملأ نصوصه بالناقض والمنقوض، والذي أنتج احتلاله للبنان، ترك اللبنانيين بعد انحسار الوصاية في ضياع وحيرة، مع دستور غير متجانس لا يصلح لأية حوكمة.
الضياع والحيرة تجلتاً مؤخراٌ في الإحتجاجات الشعبية. نصف الإتفاق لم يُطبّق كاعتماد المحافظة دائرة انتخابية وإعادة مجلس الشيوخ الجامع للعائلات الروحية. فتناولت الميليشيات وأولها حزب الله هذا الدستور المبتور، واستخدمت نصوصه بالمزاجية التي تقتضيها أهدافهاومصالحها لتصبح “الدويلات” الحاكمة داخل الدولة. هذا التناتش الطائفي على المكاسب أدى إلى شلل في عمليات صنع القرار عبر الحكومات التي انتجها الطائف. لكنه يبدو أنه مُقدِم على إلغاء نفسه إذ لم يبق منه إلا بعض الرموز التي انتهكته وعلّقت العمل به.فهل تستيقظ همم شباب الإحتجاجات على خطره المداهم وتزيح عنا كابوسه الأسود، وتعود بنا إلى دستورنا الأصيل وإجراء الإصلاحات العكسية للأخطاءالتي انتابته بعد الإستقلال؟ لقد تبين الرشد من الغي، ولا شيء يستحيل أمام شبابنا المثقف!
بعد انتهائنا من أيامنا التاريخية الأربعة السود.. نعود الجمعة القادم لأيامنا البيضاء..
د. هادي عيد