أي نظام لأي شعب؟
سنة جديدة من الجفاف مرّت على وطننا، والجمهوريّة تتخبط لتستمرّ.
لو كان الجفاف الذي نشهده سياسياً واقتصادياً فقط لهان الأمر، لكن الجفاف الأخلاقي هو الذي يُقلقنا بالإضافة الى سوء نيّة بعض المسؤولين الذين يعتبرون ان النظام الحالي لا يتلاءم وطموحاتهم الفئويّة. من هنا السؤال عن ماهية الاستمرار في شراكة اشبه بقميص عثمان، لم يبقَ من فحواها سوى قصاصات قماش باهتة.
بالت صيغة الـ 43 وباقي المتاهات التي أضيفت او انتقصت من الدستور، مباشرة في الطائف او عرفياً في الدوحة، وتحوّل نظامنا الى تعايشاً جبري اشبه بالموت السريري. نقول تعايش وليس عيش مشترك، لأننا نتصرّف كالبهائم انطلاقاً من نزعاتنا الطائفيّة والمذهبية، غير مبالين بوطن – جوهرة، اعطي لنا ويبدو اننا لا نستحقّه.
في وقت تبني إسرائيل، بحنكة وصبر، مواطنيّة مكوّنة من شتات شعوب لا كيان واحداً لها ولا أصول مشتركة، نهدّم في لبنان، بغباء مطلق، جسماً وطنياً مجذّراً في عمق أرضنا المقدّسة. وحتى لو ادّعى البعض ان شلة من بيننا أتت من بلدان مجاورة، فالتفاوت في الأصول والثقافات ليس ببعيد، والحدود التي رُسمت مؤخرا قسّمت الأرض الى مناطق اداريّة، وليس العرق والتاريخ.
رغم كل ما نراه من تشتّت ونوايا سلبيّة تصل الى حدّ البغيضة بين أبناء البلد الواحد، لا نزال نعتقد ان شعبنا قابل للعيش سوية بل للتآخي. من هنا تفاؤلنا باستمرارية بلاد الأرز رغم غباء مسؤولين أعماهم التسلّط والجشع، يعتمدون مبدأ “فرّق تسد” او سياسة “التخويف للتسيير”.
يبقى السؤال: أي نظام نبتغي، بل أي شعب نريد ان نكون؟
مثالثة بالصلاحيّات
يعتبر البعض انّ الصيغة الحالية لنظامنا الطائفي لا تزال تميّز المسيحيين، في وقت جرّد الطائف هذه الطائفة من صلاحياتها وأبقى لها التمثيل الصوري على مستوى الرئاسة، والعددي على المستوى التمثيلي، واللذين لا يمنحان أي نفوذ حقيقي. البرهان ان رئيس مجلس النواب الشيعي يهيمن على السلطة التشريعيّة بمعزل عن التوزيع الطائفي، وكذلك رئيس الحكومة السنّي بالنسبة الى السلطة التنفيذية، فيما رئيس الجمهورية المسيحي لا يتمتع اليوم بأي صلاحيات جديّة على الصعيدين التشريعي والتنفيذي، مهما ادّعى البعض. وهذا ما أدّى في السابق الى أزمة دستورية أوصلتنا الى حدّ الانفجار.. فكان اتفاق الدوحة الذي أعاد صياغة الدستور، معتبراً ان أي تغييب لأي فريق يعني بطلان دستورية القرار. وبهذا أصبح القرار اسير المصالح والصغائر لأحزاب طائفيّة، وينتهي بتسويات عقيمة بل تقاسم مغانم على حساب الشعب. أي، دكتاتورية من نوع آخر أوصلتنا الى ازمة حكم جديدة.
من هنا ضرورة التوصل الى ميثاق وطني حديث، يعيد بثّ روح الديمقراطية الى بلدنا، دون ان يمسّ بحقوق الأقليات. والى من يهدّد بالتغيير او من يخشاه نقول: تعديل النظام يعني إعادة التوازن في الصلاحيات للطوائف الثلاث والمذاهب الأساسيّة، وليس مثالثة عدديّة فقط لا غير.
عام آخر من الانتظار
تعديل الدستور لن يتم في العام المقبل، كما الجفاف لن ينتهي في القريب العاجل. وعلى اللبنانيين ان يعضّوا على جرحهم ويقاوموا الحرمان عاماً آخر على الأقل، كون مؤشّرات التغيير لم تأتِ بعد. لكن القرار بأن يبقى لبنان، لا يزال ساري المفعول. من هنا ايماننا كبير بأن يستفيق الشعب يوماً ويطالب بالتغيير، بل يفرضه.
كل عام ولبنان حيّاً يرزق!
جوزف مكرزل