الاستقلال المستحيل!
منذ أن نشأ لبنان الكبير لم تتوقف التدخلات في شؤونه وشجونه من الشرق والغرب، محوّلة إياه إلى ساحة تجارب او باحة حروب داخلية صغيرة تهدف الى حل أزمات مناطقية كبيرة، أو تأجيلها. صحيح ان اللبنانيين هم الذين ساهموا بإضعاف البلد باستسلامهم بل استزلامهم لقوى إقليمية ودولية، لكن الضغوطات التي مورست علينا كانت اقوى من قدرتنا على مقاومتها. كنا في مرحلة التكوين الذاتي عندما دخلت المنطقة بأزمات مصيرية حالت دون امكانية “النأي بأنفسنا”. من عبد الناصر إلى موجة اللاجئين الفلسطينيين التي حوّلها العرب إلى دولة مسلّحة مستقلّة. فضاعت دولتنا بين ثقافتين : ثقافة العيش والتطور من جهة، ومن جهة أخرى ثقافة الموت من أجل قضية غَسل الجميع يديه منها. ليس فقط الدول العربية، بل أيضا القياديين الفلسطينيين الذين تحوّلوا إلى تجّار هيكل.
التاريخ يكرر نفسه اليوم. دولة مسلحة في دولة مشرذمة، ضائعة، يلغيها من يتقاسم مغانمها من مافيات تستثمر الدين لتهيمن على البشر. صراع بين ثقافة الحياة، وثقافة الموت والجهاد والاستشهاد من أجل قضايا لا دخل لنا بها ولا تمت الى بلدنا بصلة بل تفي رغبة بعض بلدان المنطقة بالاستفادة من أرضنا وشعبنا لمنافع استراتيجية لا وجود لنا كشعب في جدول أعمالها.
من هنا خوف العديد من الدول الصديقة أن يؤدي هذا الصراع بين طالبي العيش ومروجي الموت، إلى سلسلة أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية وامنية، تؤدي الى تطويل أمد إلغاء القرار الرسمي بإلغاء الدولة. أما الهدف فهو استبدال المؤسسات الرسمية بمجالس ميليشياوية تحت عنوان: إدارة الأزمات ومنع الانهيار. اي بكل بساطة استكمال مشروع تحويل البلاد إلى شركة مساهمة أصحابها ليسوا الا أركان المافيا الحالية. هذا بكل بساطة ما يفعله ميقاتي اليوم على رأس حكومة مرتهنة ومسيّرة.
جوزف مكرزل