النازيُّون الجدد!
في ثلاثينيَّات القرن الماضي، أرسى كارل شميت الإيديولوجية النازيَّة القائمة على تقسيم العالم الى بلوكات، تسيطر على كلٍّ منها قوَّة تمارس عليها “حقَّاً طبيعيَّاً” بالسيطرة، مُلغيَةً “حق الشعوب بتقرير مصيرها” ومبدأي “السيادة الوطنية” و”الحريَّة.”التتِّمة معروفة: غرق اوروبا والعالم بعصر البربريَّات الدمويَّة المُجرِمة، المتتابعة فصولاً من الحرب العالميَّة الثانيَّة الى الحروب الباردة. والثمن: تدميرٌ ممنهجٌ للحضارة ولأسس الحياة السلميَّة، وتفشي العنف الغازي منطق التعاطي الدولي.
والأنكى، فيها كلّها تلك الحروب، أنَّ مَن أججَّها معتمداً تعاليم شميت، إتَّهم ضحاياه بالنازيَّة، أيّ بما هو قائم به. هل تذكرون إتِّهام المسيحييِّن في لبنان بـ “الإنعزاليَّة”؟
من بودابست (1956) الى براغ (1958)، ومنهما الى عواصم عدَّة، وصولاً الى بيروت (1975)، وكييف (2022)…، تطول سبحة مدائن- الإستشهاد، بإسم الحريَّة،على يد طغاة، وتكبر لائحة محطَّات- البطولة في الدفاع عن مقوِّمات الذخر الإنسانيِّ، المكوِّن لفرادات الهويَّات الشهيدة. هل تذكرون تهريب البولونييِّن لقلب شوبان مبدعهم الموسيقي، ومشاهد حماية الايطالييِّن لموروثاتهم الثقافيَّة بأجسادهم، وحماية اللبنانييِّن لذخائر متحفهم الوطنيِّ بعدما غدا على خط التماس الشاطر عاصمتهم الى قسمين متقاتلين؟ أتشاهدون صور حماية الاوكرانييِّن لأوبرا أوديسا التاريخيَّة؟
النازيِّون الجدد، المتسلِّطون في روسيا اليوم بقيادة المخابراتي المتقيصر، إن حققُّوا امراُ فهو من دون شك، دقّ جرس النعي لنظامٍ دوليٍّ إعتمد، مقابل إستيلاد الفكر النازي ديكتاتورييِّن كباراً وصغاراً، البلادة والخبث والرياء واللامبالاة والتلطي وراء اصابع العار المسمَّاة، زوراً، سِلماً دوليَّاً، ليس في الواقع إلَّا التاريخ في إجازةٍ قسريَّة، فاضت بها دماء ابرياء.
بعد اليوم، فليكن للابرياء بالحقِّ كتابة مستقبل التاريخ وليس للاقوياء بالظلم، لأنَّ بهم إستحقاق الحياة التي وصلتنا، من ذاكرةٍ إنتصرت للحياة بالموت.
من كييف الى بيروت، تحية: هناك موتٌ ممنهجٌ، وهنا موتٌ مبرمجٌ من مافيا نهبت ودائع شعبٍ وانفجار عاصمة، وتقمع اساتذة جامعييِّن…
قلتُ جدداً هؤلاء النازيِّون؟