بابل المُستَنسخة..!
لبنان الكبيرالذي تأسّس عام 1920 سيُصبحُ صغيرًا ومجزّءًا ومقطّعًا ومُشلّعًا، إن لن يتمّ إعلان حالة طوارئ لتجميد السُّلطَتَين الزمنيّة والروحيّة الحاليّة عن تحالفهما وعبثيّتهما ومصالحهما ونَهَمِهما “الفاحش” للمال وبشتّى الأساليب، ولاسيّما المُلتوية منها. وكلّ ذلك يتمّ على حساب شعبٍ يترجّى خشبة خلاص في محيط من حيتان السّلطة والجاه والمال الأسود.
إنطلاقًا من هنا، يشكو المسؤولون في الفاتيكان وعلى رأسهم البابا فرنسيس من أداء السُّلطَتَيْن الروحيّة والزمنيّة المُتحالفَتَيْن سرًّا، وهذا الحِلفُ المؤامراتيّ تجري تفاصيله بين جماعة الـ businessman والـBusinesswoman من السُّلطَتَيْن المذكورَتَيْن آنفًا.
يُولي الفاتيكان أهميّة كبيرة لمواطني هذا الوطن عمومًا وللمسيحيّين خصوصًا، لأنّ لبنان يُشكّلُ منارةً و”رسالة” في وسط شرق ظلاميّ، إنتحاريّ. ولذلك، عندما دعا البابا فرنسيس الإكليروس في لبنان إلى التحلّي بالفقر ليتكّنوا من خدمة الشّعب، كان بذلك يستهدفُ دورَهم الذي غدا منذ زمن يُشابه “حضارة بابل” المتعجرفة والمُصابة بالتُّخمة والتي نأت بنفسها عن الله وخدمة الشّعب لمجد المسيح الرب. وبالتّالي، وفي هذا السياق، تحدّث يومًا البابا بنديكتوس السّادس عشر في عظة العنصرة يوم 27 أيّار 2012 عن بابل في الأمس وبابل اليوم.
ومن هنا أيضًا قول البابا فرنسيس المُدوّي أمام وفد كاريتاس، والذي بدون أدنى شكّ، أزعج الكثير من الإكليروس وشوّش على مسارهم: “لا تستطيع أن تكون الكنيسة غنيّة وشعبها فقيرًا”! بمعنًى آخر، يقصدُ بقوله هذا أنّ كنيسة اليوم ابتعدت عن رسالتها النّابعة من الجذور، وأعادت بنه الزّمن إلى “العُصور الوسطى”، إلى زمن الحلف الكنسيّ- الملكيّ، إلى زمن الإقطاع.
ويقصدُ أيضًا ما قصده المسيح في الإنجيل، عندما توجّه إلى الشّاب الغنيّ بقوله الصّريح: “إذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي حَامِلًا الصَّلِيبَ” (مر 10: 21). ويُنهي كاتب الإنجيل هذه الحادثة: “وذهب حزينًا لأنّه كان ذا مالٍ كثير”. وعلى الأرجح هكذا كان شعور الوفد الذي زار البابا فرنسيس. وكلّ هذا يعني أنّ عبادة الرب والمال لا تتفقان.
في المحصّلة، مصيرُ بابل اليوم سيكون أشدّ وطأة من مصير بابل أمس.
إدمون بو داغر