خصخصة المرافق أم تقاسم المصالح؟
في دردشة مع أحد اركان السلطة التنفيذية قال:” هناك حلّ بسيط لمشاكلنا المالية التي يدّعي الجميع انها مستعصية ربما لتخويف الناس وتمرير صفقات معينة. والحل يكمن بخصخصة المرافق العامة التي، إذا تمّ التعامل بملفها بشكل علمي ومن قبل اختصاصيين، من الممكن ان تغطي الدين العام وتعيد الإنتاجية والدورة الاقتصادية، شرط اعتماد الشفافية واشراك أجهزة الرقابة، واختيار مؤسسات متخصصة وكفؤة، والتعويل على المضاربة كي لا نقع في الاستنسابية والسمسرات والكيديّة والاحتكار”. وأضاف: “لماذا تهابون الانتقال من العام الى الخاص؟ اننا اليوم ندفع ثمن قطاعنا الكهربائي اضعاف ما يدفع المواطن في بلاد الشرق والغرب، واتصالاتنا من الأغلى في العالم، ومياهنا تهدر سدى، ومرافقنا غير منتجة، واداراتنا غير كفوءة، ودولتنا برمتها غير مجدية…؟”
رغم اقتناعنا الكلي بالأرقام والدراسات العلمية، وحسن نيّة مخاطبنا، لا نثق بقدرة الطاقم المافياوي الحاكم او برغبته اعتماد معايير الشفافية والأخلاقية. بل كلنا ثقة بقدرته على الالتفاف حول القوانين وتجييرها لتتناسب مع مصالحه الضيّقة.
لأننا جرّبنا المجرّب وما زلنا نخشى ان يتم تصفية املاكنا العمومية، وإداراتنا، ومرافقنا، لتغطية دين ناجم عن نهبهم المال العام، فيتم نهب محصول الخصخصة ونعود الى الدين من جديد مجردين من الممتلكات.
لأننا نهاب ان تتحول مرافقنا العامة الى دكاكين للابتزاز والاحتكار، وان يتحول لبنان الى شركة مساهمة يمتلك حصصها هؤلاء أنفسهم الذين خانوا الأمانة وأفلسوا البلد.
لأننا بكل بساطة سئمنا المتاجرة بممتلكاتنا وارواحنا، واعتبار شعبنا مجرد عبيد يباعون ويشترون ويُستثمرون في سوق النخاسة من اجل مصالحهم الخاصة.
هذا الخوف ليس مبنياً على اوهام بل على تجارب مرّة، ولا نزال الى اليوم امام هذه المعادلة: الإفلاس ام اهداء ممتلكاتنا لقاطعي أعناقنا.
شرارة الحدت.. انذار
قبل محاسبة بلدية الحدت ونعت مسؤوليها بالطائفية، اسألوا دستوركم لماذا قسّم السلطات على أساس مذهبي؟ اسألوا زعماءكم لماذا نمّوا شعور الانتماء الديني بدل الانتماء الوطني لتجييش شوارعهم؟ اسألوا مسؤوليكم لماذا اعتنقوا سياسة التخويف من الآخر للسيطرة على البلاد والعباد؟ اسألوا …
لا نبرّر التمييز الذي اعتمدته بلدية الحدت، لكننا نعتبر انه في ظل نظام طائفي، وصراع مذهبي، وقلق وجودي، وغياب الدولة الجامعة الحامية، يحاول كل فريق حفظ كينونته مما يعتبره خطراً ديمغرافياً. خصوصا بلدة الحدت التي شهدت امتداد الضاحية الجنوبية وضمّها حارة حريك والشياح وسقي الحدت وغيرها من الأحياء. ولمَ العجب؟ هناك العديد من قرى الجبل التي تخشى ايضا الامتداد الشيعي او السنّي، وغيرها من الاحياء والمدن التي تخشى “تكاثر” الآخر على حساب شلّته، والجميع يعتنق السياسة نفسها باطنيا دون ان ينعت بالتمييز الطائفي.
لذا قبل محاسبة فلان وفليتان، على المسؤولين، الطائفيين بامتياز، بدء مرحلة الغاء الطائفية من النصوص كي يتم الغاؤها من النفوس. هو الحل الوحيد للمحافظة على ما يسمّونه “عيش مشترك” ولا يزال مجرّد “عيش في محميات طائفية ومذهبية” تشهد حدودها احتكاكات تولّد شرارات، وتنذر بإمكانية اشتعال نيران صغيرة وكبيرة إذا لم تُعالج بالعمق.. وليس بملامة من قال علناً ما يفكر فيه الجميع ضمناً.
جوزف مكرزل