لبنان جريمة الانصهار الوطني وثورة الفرادة
معدَمٌ ذاك الهذيان المرَضي المنادي بالانصهار الوطني، منهجاً لوطن يُراد له ان يخرج من سلاسل أزماته. بئس صكّ إذعان، صيغ مجهولاً وفُرِض ليلة خريف، ليتم الطوفان به نهجاً هو نقيض منطق الحياة البشرية، إذ يقوم على رمي المعادن المتنوعة في لهب الأتون لتُستخرَج شكلاً واحداً ولوناً واحداً وتركيباً واحداً، وقد ذوّبت خصائص تنوّعها.
هي ارادة تسلّط اجرامية تعيد انتاج ذاتها، وما تعبت من اختبارات الانصهار عبر التاريخ، وقد انهارت كلّها باختزالات دموية وتدمير حضارات ومحو ميزات، بعدما غاصت بتوغّل أهوال.
هوذا الأسكندر المقدوني، وقد تمنطق بالقوة الساحقة ودغدغه حلم هليّنة الشرق وبعده العالم، وصل الى ابواب آسيا البعيدة وافريقيا اللاهبة، قبل ان ينهار حلم انصهاره بالتفتّت المتحارِب.
هي روما، وقد تمنطقت بالقوة المطلقة فالتحفت بالعالم القديم وأسرته بمنطق غلبتها، تاركةً له علنيّة التهرّب بعبادات الماورائيات الخاصّة بعدما أعلت تأليه اباطرتها فوق المنظور واللامنظور، قبل ان ينهار وهم انصهارها بالتفسّخ الملتهب.
هو الاسلام، وقد آلف بين غزوات القوة ووحدانية البوتقة الدينيّة يبتلع المشارق ويصل الى ابواب المغارب، قبل ان تنهار تكفيرات انصهاره بفواجع الدماء.
يبقى لبنان!
هو ما كان يوماً عقيدةً متعسّكرةً على طرق المقدوني، ولا طوراً امبريالياً على خطى روما ومستنسخاتها، ولا غزوة عسكرو- دينية على النموذج الاسلاموي. بل مقارعة جغرافيو- فكرية لمخاطرات العيش معاً، بمعجزة العقل. والعقل لا يرتوي الاّ بتكديس الموروثات الفكرية، ولا يغتني الّا بتقاطعات الحرية الحضارية، تلك التي قمم ارتقائها تكامل التنوع وتناسق التعدد في تمايز الادوار.
هو اراد لذاته ان يكون كذلك منذ ابتكر اعلى قمم التجريديّة الفكريّة عبر الأبجدية، سبيلاً للتخاطب الانساني، فنشرها وأهّلها للتطور البشري والتأقلم الجغرافي والارتواء الزمني…
كلّ ابتكارات الانصهار آيلة الى زوال مهما كابرت. وحده مبدأ فرادة لبنان منتصر… لأنّه ثورة الانسانيّة الحقّة.
غدي م. نصر