مسار جنبلاط ومصير الشرع!
زحف أممي لمباركة التغيير في سوريا فيما مصير الشقيقة لا يزال مجهولا، بل هناك خوف عند بعض المحللين المعنيين بملفات الشرق الأوسط من الانزلاق نحو “الفوضى المنظمة” تحت عناوين عدة، أولها ما قاله مسؤولون سوريون جدد بوجوب محاكمة من “ارتكبوا الجرائم والمجازر”، وآخرها صراع طائفي يحدد المناطق ويرسم الحدود. صحيح أن العدالة ضرورية، بل أساسية، كي لا يطوى ملف ما كان يسمّى بـ”سوريا الأسد” من دون عقاب صارم ومدوي على حجم فظائع نظام تخطّى كل حدود الإجرام، لكن مَن يحاكم مَن في بلد ضاعت فيه كل المقاييس؟ مَن يحاكم الحكّام الحاليين بالجرائم التي يتهمهم البعض بارتكابها عندما كانوا في خندق الإرهاب، إلى حد رصد الولايات المتحدة عشرة ملايين دولار مقابل رأس حاكم سوريا المستجد أحمد الشرع ؟
في خضم هذا التغيير الكبير، زار الوليد بن كمال الجنبلاطي الشام ليهنئ الوالي الجديد دون أن ينتظر ساعة التتويج. أرادها رسالتين، الأولى التنكيل بمن سفكوا دماء والده وأصبحوا في خبر كان، والثانية تقديم الطاعة للشرع متلطيا بشعار “حماية بني معروف”، وهي الستارة التي لطالما اختبأ وراءها لتمرير مشاريعه، وهو يهدف اليوم إلى حجز مقعد في قطار الشرق الأوسط الجديد. فالوليد خير من يعلم أن اجتياح سوريا من قبل تركيا يدق إسفينا كبيرا وحاسما في نعش خارطة سايكس بيكو، بل في نعش ما كان يسمّى بالعروبة، وهي ليست إلاّ وهم ابتكره بعض الحكّام العرب خدمة لمصالحهم.. وفي مقدمتهم آل الأسد. لذا نضع الزيارة الجنبلاطية أيضا في خانة تثبيت الموقع الدرزي في البازارات الإقليمية، حتى لو كان الثمن ادخال “سوريا الشرع” في سياسة لبنان الداخلية من الباب الضيق.
يعلم الجميع أن جلجلة الشعب السوري لم تنته، وأن المستقبل القريب لن يكون عنوانه الاستقرار. لن تسلم سوريا، كما العراق، والأردن وصولا إلى الخليج من موجة التفكيك لإعادة بناء مكونات جديدة نجهل ما قد تكون. وهي ضبابية اليوم حتى لأصحاب القرار الأممي. مستقبل لبنان الكبير رهن السياسة التي سيعتمدها حكامه، وفي مقدمتها انتخاب رئيس يثبت النظام الحالي. وإن لم يفعلوا لن يسلم بلد الأرز جراء هذا الزلزال السياسي الكبير الذي سيضرب المنطقة من البحر المتوسط إلى المحيط.
بدّل أحمد الشرع سيفه الجهادي بربطة عنق غربية، معتبرا أنها تغيّر صورته. وهو على حق، لقد تلقف أصحاب القرار الرسالة. لكن إلى متى؟ لا نشكك برغبته الصادقة بناء سوريا جديدة موحّدة وعصرية لجميع أبنائها، لكننا نشكك بتقاطع طموحاته مع المسار المرسوم للمنطقة، ما يضعه في موقع العابر، مجهول المصير.
جوزف مكرزل