مكاسب المنتفعين من لا عودة اللاجئين
النازحون السوريون شغلوا الساحة السياسية هذا الشهر كما في سابقه. والمشكلة تتخطى حدود لبنان كما تتشعب وتحمل في طياتها اكثر من ملف يتعلق بالمصالح والتجاذبات الدولية. حتى لو يتفق الفرقاء المحليون على مبدأ العودة، الصارخ الأكبر في صحراء الدول العظمى، هو الرئيس ميشال عون الذي لا يترك مناسبة الا ويطالب فيها بحق رجوع السوريين سالمين الى ديارهم، وان لبنان لم يعد يحتمل عبئهم الذي يخنقه على جميع الصعد بما فيها الاضرار البيئية التي يسببونها قائلاً: “تصوروا فقط الضرر اللاحق بالبيئة لعدم توفّر بنى تحتية لاستيعاب مليون ونصف مليون نازح على أرضٍ صار معدل السكان فيها 600 في الكيلومتر المربع الواحد”.
قضية النازحين محقة، والذين يعترضون على عودتهم في الخارج كما في الداخل مجموعة من المثاليين من جهة، ومجموعة من المنتفعين من جهة أخرى. اما الأخطر فهو عدم اكتراث أحد لما يمثله هذا الوجود من تهديد لاستقرار لبنان على جميع الأصعدة. علما انه عندما تدفق النازحون بمئات الآلاف، حاول لبنان الحد من النزيف بالتشدد على الحدود ولكن الدول العظمى كانت في المرصاد ومنعت التشدد على أساس انه جريمة… اما جريمة خنق لبنان فليست مشكلة! كما بالنسبة الى القضية الفلسطينية، لا يزال لبنان يدفع غاليا ثمن غسل الدول العظمى ضميرها ويديها على حسابه! ومن غير المستبعد ان تبقى عِقد الغرب على حالها لفترة غير وجيزة. ورغم عدم رغبة أحد بتوطين السوريين في لبنان عكس ما يروَّج، من الصعب ان يعودوا جميعهم بعد فترة إقامة وتوطين!
قال مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم لـ”ال بي سي” ان سوريا لم تمانع من عودة النازحين، ونؤكد على طوعية الرجوع، وان 172 الفاً كانت لديهم الارادة بالعودة”. فاللواء الذي يعمل بشكل أساسي على حل هذه الازمة يعلم جيدا اين هم، وكيف أتوا، ولماذا لم يعودوا… لكن بدبلوماسيته المعتادة يحاول تجاوز العقبات الواحدة تلو الأخرى، وإعادة اكبر عدد ممكن الى سوريا حتى ولو بدفعات صغيرة متتالية. لكن قدرة اللواء تقف عند رغبة الأسد في عودة البعض الذين يعتبرهم مناهضين له، كما رغبته ودول القرار في ابقاء هذه الورقة سيفاً مصلتاً فوق رؤوسنا لإجبار الدولة اللبنانية على قبول تنازلات لا تناسب لبنان ان كان على صعيد التسوية الجيوسياسية على مستوى الشرق الأوسط، او على صعيد النفوذ الإيراني، او بالنسبة الى الثروات النفطية وغيرها من الملفات الهامة. وقد لخّص النائب بيار بو عاصي موضوع المفاوضات مع سوريا قائلا: “ألا يمون حزب الله على النظام السوري لإقناعه بضرورة عودة النازحين لما فيه مصلحة لبنان؟”… معتبراً انه اقل الايمان ان يستجيب النظام السوري الى طلب من ساهم ببقائه على قيد الحياة، على حساب مئات الأرواح من جنوده الذين سقطوا في الأراضي السورية لتلبية نداء الأسد.
اما النائب سليم عون فاختصر الموضوع في اقتراح قدمه في مقابلة مع الزميلة “النشرة”: لن نمانع ربط الاميركيين عودة النازحين بالحلّ السيّاسي شرط نقلهم الى دول الخليج وأوروبا” … واضعا الاصبع في الجرح من جهة، ومهددا او على الأقل مهولا من جهة أخرى.