هَلُمَّ خارجاً…
لا يا سيّد، انت لا تعرف المسيحيّة اللبنانيّة!
وانا أعذرك، لأنّك ما عرِفتَ الاّ ذاك الذي بدّد ماضيه من اجل كرسيّ، وَصَلها وغفا. وذاك الذي استكبر بالغبا، وبالصغائر نما. وذاك الذي بالكاد ذَنّبٌ هو، وبمخالبك إستلذّ التقوى. وذلك الذي ببثِّ سُمِّ الأحقاد من جيلٍ الى جيلٍ إستطاب، وحليفك، تقاسُمَ ادوار النوى. وذاك الذي استكان فوق اموالٍ مهرَّبة، راعياً لفقدانِ الرؤى.
انا لست هؤلاء. أوَ تعتقد انّ تهديدك لي بمئة الف مقاتل سيدفعني، مثل هؤلاء المسبييّن بعمى مصالحهم، الى الرضوخ او الى حزم حقائب رحيلي؟ أو تعتقدني، بكل بساطة، سأخاف كالعدوّ الاسرائيليّ الذي تتلاعبُ بتهديده بمئة الف مفرقعة لديك؟
إنّ استعراض قوّتك الذي شئتَ إخافتي به، ذكّرني بإستعراضات أواخر أيّام الإتحاد السوفياتيّ، فيما التحلّل ينخره في العمق. وكان يكفي ان يأتي حَبرٌ من وراء ستاره الحديديّ، مُطلِقاً الى الرازحين قسراً تحت ظلماته: “لا تخافوا! شرّعوا الأبواب للمسيح!”، ليحقّقَ معجزةَ إسقاطه من الداخل كقلعة من وَهم.
لا يا سيّد، انت لا تعرف المسيحيّ اللبنانيّ!
انا المسيحيّ اللبنانيّ. وأنا لا اخاف!
أتراني سأخاف حقّاً من مئة ألف لبنانيّ أدلَجتَهم بمنطقِك؟ وقبل، أتُراهُم هُم قادرون على التحديق بي كعدوّهم، ولي بينهم اصدقاء وابناء وتلامذة، هُم بنظري ابطالٌ قاتلوا عدوّاً، وعليه انتصروا؟
انت الخائف. لا تجعلهم قَتَلَة!
انا المسيحيّ ضمانة السنيّ والدرزيّ والشيعيّ بوجه الخوف من بعضنا البعض، وفرض الذميّة السياسيّة بحقّ بعضنا البعض.
هَلُمَّ خارجاً من مخبئك، فَلَكَ منّي هديّة: نسخة من “القاموس المحيط” للفارسيّ الفيروز ابادي وقد كتب: “لبنان جبلٌ وحاجةٌ عظيمة”… قبل ان يضيف اليه، بعد قرونٍ، الحافظ إبن كثير في “البداية والنهاية”: “ليفرح أرض البادية العطشى، ويعطي أحمد محاسن لبنان، ويرون جلال الله بمهجته.”
لا يا سيّد، انتَ لا تعرف لبنان. وإن صادَرتَ الله، فلن تُصادر لبنان!
غدي م. نصر