” وَبْرِة صُبّير”!
كم وكم نعاني في هذا الزمن الغريب الأطوار، من مرضٍ مُستحدث، فُرض علينا من دون إذنٍ أو دستور!
مرضٌ، جعل من الكذب نبراسًا للضعفاء، وما أكثرهم في هذا الزمن الرديء.
فلنقرأ “خبريّة ضيعويّة” نابعة من صميم الصدق الحياتيّ، الذي فقدناه، وسنفتقده إلى الأبد، بسبب هشاشة المسؤولين في هذا الوطن الصادق كصدق مياه صنين.
يُحكى عن فلاح طموح جدًا، يعيش في كنف ضيعته منذ ولادته، كان يعشق ترابها، ممتنًا له على النعم والخيرات التي يقدمها له على طبقٍ جبليٍّ مصنوعٍ من أغصان الزيتون، ومن سنابل القمح الواعدة.
إقترب موسم الصبّير، «ووَعْد الحرّ دَيْن». ودَيْنه هدية مضمونها «سَلة صبّير بْتِعجُبْ الخاطِرْ» موجّهة إلى طبيب الضيعة !
«سلّمْ دَيّاتَكْ يا أبو وليد» هكذا كان يستقبله الطبيب!
«ما في شي من قيمْتَكْ يا حكيم»! ولكن من فضلك عندي طلبٌ صغير.
أجابه الطبيب: ما هو؟
– أعاني من ألمٍ مزعجٍ في عيني!
فأجابه الطبيب:
– لا تقلق.
عندها إقترب من الفلاح وفحص عينه، وجلب له قطرةً، وقَطَرَ ثلاث قطرات في داخلها، سائلاً إيّاه:
– وكيف تشعر الآن يا أبو وليد؟
أجابه : أشعر بتحسنٍ عظيم.
عندها شكر الفلاح الطبيب، وصار عندما يشعر بالألم، يحمل بيده سلة تينٍ، أو عنبٍ، أو صبّير، ويتوجّه إلى منزل الطبيب؛ وكالعادة ثلاث قطرات تخفف الألم، وهكذا دواليك…
إلى أن عاد إبن الطبيب من السفر، وهو طبيب أيضًا، وبينما كان يشرب القهوة، قُرع الجرس، فطلب من الخادمة أن تفتح الباب. عندها دخل الفلاح، معرّفًا عن نفسه!
استقبله الطبيب الشاب بحفاوة، سائلاً إياه : هل تعاني من وجعٍ ما؟
أجابه: نعم. أعاني من وجعٍ مزمنٍ في عيني! عندها فتح الطبيب عين الفلاح، فوجد وَبْرَة صبّير في داخلها، فأخرجها من عينه، قائلاً: الحمد لله على سلامتك. عندها صرخ الفلاح قائلاً: «الله يطوِلْ بعمْرَكْ، شوكة وانْقَلًعِتْ” . فهرول الفلاح مسرعًا إلى البيت، تاركًا في صدر صالون الطبيب سلةً من التين الشتويّ!
ومرّت مدة طويلة، ولم يأتِ الفلاح لزيارة الطبيب الأب، عندها سأل إبنه : هل رأيت الفلاح أبو وليد يأتي لزيارتنا في هذه الفترة؟
أجابه: نعم. لقد زارنا منذ حوالى شهرين، وكان يعاني من ألمٍ مزمنٍ في عينه، لكن الحمدلله، كان الألم سببه وَبْرَة صبّير، فاقتلعتها من عينه، وشكرني من كل قلبه.
عندها صرخ الأب قائلاً:
– «وْعِنَب وتين وصبّير، رَحْ تاكُلْ يا إبني»!
هذه هي حال السياسة في هذا البلد «وبْرةْ صبير» !!
«وْعيشْ يا فَقيرْ إنْ كانْ فيكْ تْعيشْ».
صونيا الاشقر